(قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ) [يونس : ١٨] أم تنبئونه بما ليس في الأرض شيء مما تقولون وتصفون شيء ؛ أي : يقول : أتنبئون الله بما لا يعلم في السموات والأرض ، وهو عالم بكل شىء؟ أي : تقرون بأنه عالم بكل شيء ؛ وهو لا يعلم ما تقولون وتسمونه من الشركاء وغيره.
والثاني : أم تنبئونه بما لا يعلم ؛ أي : ليس في الأرض.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ).
قال أهل التأويل (١) : (بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ) أي : بل بباطل من القول وزور.
ويشبه أن يكون بظاهر من القول ؛ أي : بضعيف من القول وخفيف ، يسمون الشىء الذي لا حقيقة له ولا ثبات (٢) ظاهرا باديا ؛ كقوله : (إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ) [هود : ٢٧] أي : ضعيف الرأى : وخفيفه ؛ لا حقيقة له ولا قرار.
ويحتمل قوله : (أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ) في الخلق والأسلاف ؛ أي : لم يظهر ما يقولون ؛ ويصفون (٣) ؛ إشراك هذه الأصنام ؛ وتسميتها آلهة ومعبودا ؛ فيكون (أم) في موضع حقيقة ويقين ؛ على هذا التأويل والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ).
قال بعض أهل التأويل (٤) : (مَكْرُهُمْ) : قولهم الذي قالوه من الكذب والزور ؛ أنها آلهة وأنها شركاء الله.
لكن يشبه أن يكون قوله : (مَكْرُهُمْ) أي : مكرهم برسول الله صلىاللهعليهوسلم حيث احتالوا حيلا ؛ ليقتلوه لئلا يظهر هذا الدين في الأرض ، ويطفئون هذا النور ؛ ليدوم عزهم وشرفهم في هذه الدنيا ؛ وهو كقوله : (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا) [الأنفال : ٣٠] والمكر : هو الاحتيال ؛ والأخذ من حيث الأمن. والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ).
صدوا ؛ لما علموا من مكرهم واختيارهم ما اختاروا والسبيل ، المطلق هو سبيل الله ؛ وإلا كان جميع الأديان والمذاهب يسمى سبيلا ؛ كقوله : (وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ)
__________________
(١) قاله قتادة والضحاك ، أخرجه ابن جرير عنهما (٢٠٤٤٩ ، ٢٠٤٥٠) وانظر : الدر المنثور (٤ / ١٢٠).
(٢) في أ : ثابت.
(٣) في أ : ويضيفون.
(٤) قاله مجاهد ، أخرجه ابن جرير (٢٠٤٥١ ، ٢٠٤٥٢) وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ١٢٠).