والحجج على ما ادعوا ودعوهم إليه ؛ لكنهم كانوا قوما معاندين مكابرين لا يقبلون قولهم ولا يصدقونهم ؛ تعنتا منهم وتكبّرا ، لم ينظروا في خلق الله ليدركوا آثار وحدانيته وألوهيته ؛ فكلفوا إقامة الحجج والآيات ؛ لئلا يكون لهم مقال واحتجاج ، وإن لم يكن لهم الاحتجاج. والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِي ...) الآية.
قوله ـ تعالى ـ ذلك يحتمل وجوها ؛ لأنه قد سبق خصال ثلاث ؛ ما يحتمل رجوع هذا الحرف إلى كل واحد من ذلك.
أحدها : قوله : (إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) فيحتمل قوله ذلك : المن والفضل لمن خاف مقامي وخاف وعيد. وسبق أيضا قوله : (وَما لَنا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ) أي : ذلك الهدى والسبل التي هدانا إليها ؛ أي : ذلك الهدى والهداية لمن خاف مقامي وخاف وعيد. وسبق أيضا : (فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ ...) الآية أي : ذلك النصر والظفر بهم والتمكين في الأرض لمن خاف [مقامي وخاف](١) وعيد.
ثم قوله : (ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِي وَخافَ وَعِيدِ) قال بعضهم : خاف مقامي في الدنيا والآخرة ، وتأويله ـ والله أعلم ـ أي : خاف سلطاني ونقمتي وعذابي في الدنيا والآخرة ، أمّا في الدنيا لما نزل بمكذبي رسله وأنبيائه ، وخاف وعيده وعذابه في الآخرة حيث وعد أنه يحل بهم بالتكذيب وترك الإجابة.
وقال بعضهم : خاف مقامي في الآخرة ؛ وهو كقوله : (يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) [المطففين : ٦] يخاف ذلك المقام ، وخاف ما وعد من العذاب في النار.
ثم قوله : (مَقامِي) حيث أضاف إليه ، ليس في الاشتباه بأقل من قوله : (اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) [الأعراف : ٥٤] ؛ وأقل من قوله : (وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ) [الفجر : ٢٢] وقوله : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ ...) الآية [البقرة : ٢١٠] وأمثاله ؛ فكيف اشتبه هذا على [أهل](٢) التشبيه ؛ ولم يشتبه قوله : (مَقامِي) ؛ حيث سألوا في ذلك ؛ ولم يسألوا في هذا ؛ وهذا إن لم يكن أكثر في الاشتباه ؛ فليس بأقل ، والأصل في هذا وأمثاله ؛ من قوله : (إِلَيْهِ الْمَصِيرُ) [غافر : ٣] (إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ) [الأنعام : ٦٠] (وَإِلَيْهِ مَآبِ) [الرعد : ٣٦] و (مَآبِ) [الرعد : ٣٠] ذكر هذا ؛ وإن كان الخلائق جميعا في الدارين جميعا ـ يكون مصيرهم ومرجعهم إليه ؛ لأنه ـ جل وعلا ـ لم يخلقهم للمقام في الدنيا (٣) والدوام فيها ؛
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) سقط في أ.
(٣) في أ : الدارين.