أَجَلٍ قَرِيبٍ).
يحتمل قوله : (وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ) قولهم الذي يقولون يومئذ : (رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ). ويحتمل : (وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ) الذي يحل بهم.
ثم أخبر عما يقولون ـ إذا حل بهم العذاب ـ : (رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ) قال بعضهم : إلى الدنيا ؛ والدنيا أجلها قريب ، لكن هذا لا يحتمل ؛ لأن الدنيا أولى ، والآخرة آخرة ، فلو جاز هذا لتكون الآخرة أولى ؛ فذلك بعيد ، لكن طلبوا ـ والله أعلم ـ الردّ إلى حال الأمن ؛ ليجيبوا داعيه ؛ إذ لم تنفعهم إجابتهم في حال الخوف والهول ، وما حل بهم إنما حل بتركهم [الإجابة](١) في حال الأمن ؛ فطلبوا الرد إلى الأمن ؛ ليجيبوا داعيه لتنفعهم إجابتهم ؛ حيث قالوا : (نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ).
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ).
لم يبين بما أقسموا في هذه الآية ؛ وهو ما بين في آية أخرى : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ) [النحل : ٣٨].
ثم قوله : (ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ) : قال قائلون : ما لكم من زوال من الدنيا ، أي : كنتم تقولون : أن ليس إلا الدّنيا لا زوال لنا عنها ؛ أحياء وموتى ؛ كقولهم : (إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا ...) الآية [المؤمنون : ٣٧] على ما ذكر من قسمهم أنهم لا يبعثون.
وقال قائلون : قوله : (ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ) جواب لسؤالهم : (رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ) على الاستئناف ؛ قال : ما لكم عما أنتم فيه من العذاب إلى ما تسألون من المدة والتأخير ؛ أي : ما لكم إلى ذلك سبيل.
وقال بعضهم (٢) : في قوله : (وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ) : أي : تنزع قلوبهم ؛ حتى صارت في حناجرهم ؛ فلا تخرج من أفواههم ، ولا تعود إلى أماكنها ؛ لشدة هول ذلك اليوم وفزعهم عليه ، وهو على التمثيل والكناية ؛ كقولهم : (إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ ...) الآية [الأحزاب : ١٠] ؛ لشدة خوفهم ، وهو على التمثيل ؛ إذ لا يحتمل بلوغ القلوب الحناجر في الدنيا حقيقة ؛ إذ لو بلغت ذلك لخرجت فماتوا ، إذ الدنيا يحتمل الموت فيها ، فدلّ أن ذلك على التمثيل لشدّة خوفهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) بتكذيبهم الرسل.
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) قاله أبو الضحى ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٠٩٠٧) ، وعن قتادة (٢٠٩٠٨ ، ٢٠٩٠٩) ، وانظر : الدر المنثور (٤ / ١٦٤).