[وتأويله ـ والله أعلم ـ : أنهم كانوا يطلبون من ربهم الرد إلى حال الأمن ؛ ليجيبوا بقولهم : (رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ) ؛ والله أعلم ، فقال : (وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) بتكذيبهم الرسل](١) ؛ أي : سكنتم في الدنيا في مثل منازلهم ومساكنهم ؛ فرأيتم ما نزل بأولئك الذين صنعوا مثل صنيعكم.
وذلك قوله ـ عزوجل ـ : (وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ) من التعذيب والاستئصال ثم لم يتعظوا بما حلّ بهم ، فعلى ذلك إذا رددتم إلى حال الأمن لا تتعظون بما حلّ بكم في هذه الحال ، وهو ما قال : (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) [الأنعام : ٢٨] فيما يقولون : إنهم يجيبون دعوته ، هذا ـ والله أعلم ـ تأويله.
وقال بعض أهل التأويل : (وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) : أي : عملتم مثل أعمالهم ، (وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ) من الاستئصال بالتكذيب ؛ بتكذيبهم الرسل ؛ فلم تتعظوا بذلك ؛ فلا تتعظون بهذا أيضا إذا رددتم. والله أعلم.
وفي قوله : (وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ...) إلى آخر ما ذكر : دلالة لزوم النظر والاستدلال ، ولزوم القياس ، ودلالة لزوم العقوبة ؛ وإن كان لم يعلموا به ؛ بعد أن مكنوا من العلم به.
أما دلالة النظر والاستدلال : هو قوله : (وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) : فهلا نظرتم ما حلّ بهم من تكذيبهم الرسل ؛ واتعظتم به.
ودلالة القياس : هو ما خوفهم أن ينزل بهم ما نزل بأولئك ؛ لأنهم اشتركوا في المعنى الذي نزل بأولئك ؛ ما نزل وهو تكذيبهم الرسل ، وسوء معاملتهم إياهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ) : أي : (وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ) ؛ ما لو تفكرتم فيها ونظرتم ثم لكان ذلك لكم موعظة وزجرا عن مثل صنيعكم. أو يقول : وضربنا لكم الأمثال : أي : قد بينّا لكم الأمثال والأشباه ما يعرفكم ؛ لو تأملتم أن أولئك لكم أشباه وأمثال ، وصنيعهم لصنيعكم أشباه وأمثال ؛ فينزل بكم ما نزل بهم. والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ).
[مكروا](٢) واحتالوا على إهلاك الرسل وقتلهم ؛ كقوله : (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا ...) الآية [الأنفال : ٣٠] وكيدهم الذي ذكر ـ في غير آي من القرآن ـ برسل الله ؛ حتى قال الرسل فيكيدوني جميعا ، ومكروا أيضا بدين الله الذي أتت به الرسل ، مكروا
__________________
(١) ما بين المعقوفين سقط في ب.
(٢) سقط في أ.