هَباءً مَنْثُوراً) [الفرقان : ٢٣] ذكر مرة تمد الأرض ، وذكر مرة أنها تخبر وتحدث عما عمل عليها ، وذكر في السماء بالتشقق والانفطار ، وفي الجبال بالسير والمرور مرة ؛ ومرة بالرفع ومرة أخبر أنه جعلها هباء منثورا وأمثاله.
فيشبه أن يكون هذا كله على اختلاف الأحوال والأوقات ؛ إذ يوم القيامة يوم ممتدّ ؛ فيكون كل ما ذكر على ما قال يومئذ ؛ (فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ) [القصص : ٦٦] ؛ قال في آية : (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ) [الصافات : ٢٧] وقال : (وَلا يَتَساءَلُونَ) [المؤمنون : ١٠١] وقوله : (يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [الرحمن : ٢٩] فهو ـ والله أعلم ـ : على اختلاف الأحوال والأوقات ، فعلى ذلك الأول ، والله أعلم بذلك.
وتبديل الأرض والسموات : يحتمل وجهين :
أحدهما : تبديل أهلها على ما يذكر ؛ الأرض والقرية ، والمراد منها الأهل ؛ كقوله : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها) [يوسف : ٨٢] وقوله : (قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً ...) الآية [النحل : ١١٢] ونحوه كثير.
والثاني : تبديل نفس الأرض.
ثم يحتمل كل واحد من الوجهين وجهين :
إما تبديل أهلها : هو أن يكونوا مستسلمين خاضعين له في ذلك ، ولم يكونوا في الدنيا [كذلك](١).
والثاني : تبدل أهلها : هو أن يكون الأولياء في النعم الدائمة ، واللذة الباقية ، والأعداء في عذاب وألم وشدة ، وكانوا في هذه الدنيا جميعا مشتركين ـ الأولياء والأعداء ـ في اللذات والآلام.
فإن كان تبديل نفس الأرض ـ فهو يخرج على وجهين [أيضا](٢) :
أحدهما : تبديل (٣) زينتها وصفتها.
والثاني : تبديل عينها وجوهرها ؛ وهو ما ذكر : أن أرض الجنة تكون من مسك وزعفران ، ونحو ما روي في الخبر والله أعلم. كأنّ قوله : (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ) صلة قوله : (فَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ ...) الآية فقالوا : متى يكون ذلك؟ فقال : (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ) يخرج جوابا لسؤالهم والله أعلم.
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) سقط في أ.
(٣) في أ : تغيير.