وقوله ـ عزوجل ـ : (وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ).
قد ذكرنا تخصيص بروزهم لله يوم القيامة أنه ـ والله أعلم ـ أنشأ هذا العالم الأول للعالم الثاني ، فالعالم الثاني هو المقصود في إنشاء هذا العالم ، فخص بروزهم يومئذ له ؛ لما هو المقصود في إنشائهم.
وقال قائلون : تخصيص البروز له يومئذ ؛ لأنهم يخرجون من قبورهم للحساب لا لغيره ، فهو يحاسبهم ؛ فأضاف البروز إليه ؛ لما لا يخرجون إلا له ، وأما في الدنيا : فإنما يخرجون لحوائج أنفسهم ؛ لذلك خرج التخصيص له والإضافة.
وقوله : (وَبَرَزُوا لِلَّهِ) : يحتمل وجهين :
أحدهما : برزوا له مستسلمين خاضعين ، قابلين (١) طائعين ، ولم يكونوا في الدنيا كذلك.
والثاني : يبرزون له ؛ لما وعدوا وأوعدوا ؛ بارزون لوعده ولوعيده ، ولما دعوا إليه ، ورغبوا فيه.
والثالث : يبرزون له ؛ لما لا يملكون إخفاء أنفسهم وسترها ؛ بل ظاهرين له.
وقوله ـ عزوجل ـ : (الْواحِدِ الْقَهَّارِ).
[الواحد :](٢) الذي لا شريك له ، والقهار : يقهر الخلائق كلهم ؛ ويغلبهم : الجبابرة ، والفراعنة.
أو يبرزون له ليجزيهم ، على ما ذكر تعالى (لِيَجْزِيَ اللهُ كُلَّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ) والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ. سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ).
وذكر (مِنْ قَطِرانٍ) : قيل (٣) : (القطر) هو النحاس [و (آن) أي : قد انتهى حره ، كقوله : (وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ) [الرحمن : ٤٤].
وقيل (٤) : الصفر وقال بعضهم (٥)(مِنْ قَطِرانٍ) أي : من نحاس أنى لهم أن يعذبوا به](٦).
وقال بعضهم : هو من القطران المعروف الذي يطلى به الإبل ؛ ذكر هذا لأنه أشدّ إحراقا واشتعالا.
__________________
(١) في أ : قائلين.
(٢) سقط في أ.
(٣) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٠٩٨٦) ، وعن سعيد بن جبير (٢٠٩٨٩ ، ٢٠٩٩٢) والحسن (٢٠٩٩٣) والربيع بن أنس (٢٠٩٩٤) ، وانظر : الدر المنثور (٤ / ١٧٠).
(٤) قاله قتادة ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٠٩٩٨ ، ٢١٠٠٠).
(٥) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير (٢٠٩٩٥) ، وعبد بن حميد وابن المنذر عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ١٧٠).
(٦) سقط في أ.