وقوله : (وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ ...) إلى آخر ما ذكر : جعل الله عذاب الكفرة في الآخرة بالأسباب والأشياء التي كانوا يفتخرون بها في الدنيا ؛ من اللباس والشراب والأصحاب ؛ وغيره ، وهو كان سبب منعهم عن إجابة الرسل فيما دعوهم إليه ؛ فجعل تعذيبهم في الآخرة بذلك النوع من النار ؛ فقال : (وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ) يقرن ويقيض بعضهم ببعض ؛ كقوله : (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً ...) الآية [الزخرف : ٣٦] ؛ لأنه كان يتبعه ويأتمر بأمره ؛ وكقوله : (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا ...) الآية [الصافات : ٢٢] ، وكذلك الرؤساء منهم ، والمتبوعون.
وقوله : (سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ) لما كانوا يفتخرون في الدنيا بلباسهم ، وكذلك كل نوع [كانوا](١) يفتخرون به في الدنيا ، ويمنعهم عن الإجابة ؛ إجابة الرسل ، وقد ذكرنا هذا فيما تقدم.
والأصفاد : قيل : الأغلال ؛ أي : قد قرن بعضه إلى بعض في الأغلال ، واحدها : صفد ؛ وهو قول القتبي (٢) ، وكذلك قول أبي عوسجة في الأصفاد ، إلا أنه قال : واحدها : صفاد ، والصفد العطيّة.
(سَرابِيلُهُمْ) : قمصهم ، واحدها : سربال.
(مِنْ قَطِرانٍ) : القطر ـ ما ذكرنا ـ النحاس ، والآن الذي [قد](٣) اشتد حره ، وهو قول القتبي (٤) وأبي عوسجة.
ذكر هذه المواعيد والشدائد ، وأنواع ما يعذبون به في الآخرة ، ونعيمها على ألسن من قد ظهر صدقهم بالآيات والحجج ؛ ليحذروا ما أوعدوا ، ويرغبوا فيما رغبوا لئلا يكون لهم الاحتجاج يومئذ ؛ كقوله : (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) [النساء : ١٦٥] وقوله : (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ ...) الآية [الأنفال : ٤٢] ونحوه. والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ).
لأن أيديهم مغلولة إلى أعناقهم ؛ فلا يقدرون أن يتّقوا النار بأيديهم ذكر هذا ؛ لأن في الشاهد : من [أصاب وجهه](٥) أذى يتقي عنه بيده ، فيخبر أنهم إنما يتقون ذلك بوجوههم. والله أعلم.
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) ينظر : تفسير غريب القرآن (٢٣٤).
(٣) سقط في ب.
(٤) ينظر : تفسير غريب القرآن (٢٣٤).
(٥) في ب : أصابه.