العين لا العين نفسه ولكن نفسه ؛ كأنه قال : لا تمنّين نفسك فيما متعوا هم ولا ترغبنها في ذلك ؛ فإنه ليس يوسع ذلك عليهم لخطرهم وقدرهم ؛ ولكن ليعلم أن ليس لذلك (١) خطر عند الله وقدر ؛ حيث أعطى من افترى [على الله](٢) وجحد نعمه وفضله.
وفي الآية تفضيل (٣) الفقر على الغنى ؛ لأنه نهى رسوله أن يمد عينيه إلى ما متعوا ، ومعلوم أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا (٤) مدّ إلى ذلك ليس يمد للدنيا ولا لشهواته ؛ ولكن يستعين به في أمر جهاد عدوه ، ويعين (٥) به أصحابه في سبيل الخيرات ، ثم نهاه مع ذلك عنه ؛ دلّ أن الأخير والأفضل ما اختاره من الفقر ، وقصور ذات يده. والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَزْواجاً مِنْهُمْ).
أي : أصنافا من الأموال ، وألوانا من النعم. وقال بعضهم (٦) : (أَزْواجاً مِنْهُمْ) : أي : الأغنياء منهم وأشباهه ؛ فإن كان قوله : (أَزْواجاً مِنْهُمْ) هو أصناف الأموال ـ فهو (٧) على التقديم والتأخير ، كأنه قال : لا تمدن عينيك إلى ما متعنا منهم أزواجا.
وإن كان أزواجا منهم هو أصناف الناس فهو على النظم الذي جرى به التنزيل ؛ أي : لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به قوما منهم.
وفي قوله : (لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ) إلى (ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ) دلالة نقض قول المعتزلة ؛ لأنهم يقولون : إن الله لا يعطى أحدا شيئا إلا ما هو أصلح له في الدين ، ولو كان ما متع هؤلاء أصلح لهم في الدين ـ لم ينه رسوله عن مدّ عينيه إليه ، دلّ أنه قد يعطي ما ليس بأصلح في الدين ، وكذلك قوله : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً) [آل عمران : ١٧٨] أخبر أنه إنما يملى لهم ليزدادوا إثما ، وهم يقولون : يملي لهم ليزدادوا خيرا. وكذلك قوله : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ ...) الآية [آل عمران : ١٨٠] هذه الآيات كلها تنقض عليهم قولهم ، وقد ذكرنا هذا في غير موضع فيما تقدم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ).
__________________
(١) في ب : ذلك.
(٢) في ب : عليه.
(٣) في أ : تفضل.
(٤) في أ : إن.
(٥) في أ : ويعني.
(٦) قاله مجاهد ، أخرجه ابن جرير (٢١٣٦٤ ، ٢١٣٦٥) وابن المنذر عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ١٩٧).
(٧) في أ : فهي.