وقوله : (كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) الذين فعلوا به ما فعلوا ممن تقدم ذكرهم ؛ فيكون قوله : (الَّذِينَ يَجْعَلُونَ) على إضمار (كان) ؛ أي : الذين كانوا يجعلون مع الله إلها آخر.
وإن كان في الذين يكونون من بعد ـ فهو على ظاهر ما ذكر ؛ يجعلون على المستقبل.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ).
أي : سوف يعلمون ما عملوا من الاقتسام ، والعضة ، والاستهزاء برسول الله وأصحابه ، إذا نزل العذاب بهم. والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ).
وما قالوا ؛ من الاقتسام ، والعضة ، والاستهزاء به ، وأنواع الأذى الذي كان منهم برسول الله صلىاللهعليهوسلم ؛ أي : نعلم ذلك ، وهو محفوظ عندنا ، نجزيهم على ذلك فلا يضيقن صدرك ؛ لذلك فهو على التصبير على الأذى ، والتسلى عن ذلك ، وترك المكافأة لهم ، والله أعلم. وكان يضيق صدره ؛ مرة لتركهم الإجابة له ، ومرة للأذى باللسان.
والثاني : على علم منا بما يكون منهم ، ومن ضيق صدرك بذلك ، لكن أنشأناهم ومكناهم على علم منا بذلك ؛ امتحانا منا إياك بذلك وإياهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ).
قال بعض أهل التأويل (١) : أي : صل بأمر ربك وكن من الساجدين ؛ أي : من المصلين.
وقوله : (فَسَبِّحْ) : هو أمر ؛ فإذا فعل ذلك كان بأمر ربه ؛ فلا معنى لذكر الأمر (٢) من بعد قوله : (بِحَمْدِ رَبِّكَ) إن كان الحمد هو الأمر ؛ على ما قال بعض أهل التأويل.
ويحتمل وجها آخر : وهو أن قوله : (فَسَبِّحْ) أي : نزّه الله عن جميع ما قالت الملحدة فيه ؛ إذ التسبيح هو التنزيه في اللغة (بِحَمْدِ رَبِّكَ) ؛ أي : بثناء ربك ؛ أي : نزهه عن ذلك كله بثناء تثنيه عليه ، وكن من الساجدين ؛ أي : من الخاضعين ؛ إذ السجود هو الخضوع.
أو أن يكون أمره إياه بالتسبيح على التسلي ، وتوسيع صدره بالذي يكون منهم ؛ أي : فسبح ربك مكان ذلك.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَاعْبُدْ رَبَّكَ).
يحتمل التوحيد ؛ أي : وحّد ربك ، وكذلك قال ابن عباس رضي الله عنه : كل عبادة ذكرت في القرآن ـ فهو توحيد يأمره باعتقاد الإخلاص له في كل أمر ، ويحتمل العبادة
__________________
(١) قاله ابن عباس ، كما في تفسير البغوي (٣ / ٦٠).
(٢) في أ : الأمرين.