أظهرهم ؛ ونحوه ، فخوف بذلك أهل مكة بصنيعهم لرسول الله ؛ أن ينزل بهم كما نزل بأولئك الذين مكروا برسلهم ؛ لئلا يعاملوه بمثل معاملة أولئك رسلهم ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَأَتَى اللهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ).
قال الحسن : هذا على التمثيل بالبناء الذي بني على غير أساس ؛ ينهدم ولا يعلم من أي : سبب انهدم ، فعلى ذلك مكرهم يبطل ويتلاشى ؛ كالبناء الذي بني على غير أساس ويشبه أن يكون على التمثيل من غير هذا الوجه ؛ وهو أنهم قد مكروا وأحكموا مكرهم بهم ؛ فيتحصنون بذلك ؛ كالبناء الذي يتحصن به ؛ فأبطل الله مكرهم ؛ كقوله : (وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنا مَكْراً ...) الآية [النمل : ٥٠] ، وقوله : (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ ...) الآية [آل عمران : ٥٤].
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ).
هو ما ذكرنا من إبطال مكرهم الذي به كانوا يتحصنون ؛ كوقوع السقف الذي به يتحصن من أنواع الأذى والشرور. ويحتمل على التحقيق ؛ وهو ما نزل بقوم لوط ؛ من الخسف ، وتقليب البنيان ، وإمطار الحجر عليها.
وأما ما ذكر بعض أهل التأويل (١) : من الصرح [الذي](٢) بنى نمرود وبنيانه ، ووقوعه عليهم ؛ فإنا لا نعلم ذلك.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ).
كذلك كان يأتي العذاب الظلمة الكذبة ؛ من حيث لا علم لهم بذلك ؛ كقوله : (فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً ...) الآية [الأعراف : ٩٥] وقوله : (فَأَتَى اللهُ بُنْيانَهُمْ) [النحل : ٢٦] هو من الإتيان ، ومعلوم أنه لا يفهم من إتيانه الانتقال من مكان إلى مكان ، ولكن إتيان عذابه ، أضيف إليه الإتيان ؛ لما بأمره يأتيهم ، ومنه [...](٣) ، فعلى ذلك لا يفهم من قوله : (وَجاءَ رَبُّكَ) [الفجر : ٢٢] ، وقوله : (إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ ...) الآية [البقرة : ٢١٠] إتيان الانتقال ومجيئه من مكان إلى مكان ، وقد ذكرنا هذا وأمثاله في غير موضع.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُخْزِيهِمْ).
أخبر أنه يخزيهم يوم القيامة بعد ما عذبهم في الدنيا ؛ بقوله : (وَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ).
__________________
(١) قاله ابن عباس وزيد بن أسلم والسدي أخرجه ابن جرير عنهم (٢١٥٦٦) ، (٢١٥٦٧) ، (٢١٥٦٨) ، وانظر : الدر المنثور (٤ / ٢١٨).
(٢) سقط في أ.
(٣) بياض في أ ، ب ، وقد أشير إليه فيهما.