فإن قيل : لم يصر ما ذكرت ؛ لأنهم لم يرتكبوا المناهي ـ قيل : الارتكاب فعلهم ؛ فلا يحتمل أن يكون بفعلهم ذلك ؛ فدل أن ما ذكرنا فاسد ، وعلى (١) قولهم يكون بالنهي عاصيا مضلّا ، وعندنا قوله : (يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ) أي : يخلق فعل الضلال منهم ، أو يضل من علم أنه يختار الضلال على الهدى ويخذلهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).
هو ظاهر.
وقوله : (وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ).
قد ذكرنا (٢).
وقوله : ـ عزوجل ـ : (فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها).
قال أبو بكر : دلّ قوله : (فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها) أن الآيات التي تقدم ذكرها في أهل الإسلام ؛ لأنه أخبر أنه تزل قدم بعد ثبوتها ، وهو الكفر بعد الإسلام.
وعندنا هو ما ذكرنا أن قوله : (فَتَزِلَّ قَدَمٌ) بالخوف ، (بَعْدَ ثُبُوتِها) أي : بعد ما كانوا آمنين ؛ لأنهم بأيمانهم كانوا يأمنون ، وبنقضهم العهود والأيمان يخافون ، فيكون قوله : (فَتَزِلَّ قَدَمٌ) كناية عن الخوف ، والثبوت كناية عن الأمن ، أي صاروا خائفين بنقضهم العهود والأيمان بعد ما كانوا آمنين [بها](٣) ، والله أعلم.
__________________
(١) في ب : عليه.
(٢) قال الواحدي ـ رحمهالله تعالى ـ : «الدخل والدغل : الغش والخيانة».
وقيل : الدخل : ما أدخل في الشيء على فساد ، وقيل : الدخل والدغل : أن يظهر الوفاء به ويبطن الغدر والنقض.
وقوله ـ تعالى ـ : (وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ) الآية لما حذّر في الآية الأولى عن نقض العهود والأيمان مطلقا ، قال في هذه الآية (وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ) وليس المراد منه التّحذير عن نقض مطلق الأيمان ، وإلّا لزم التكرار الخالي عن الفائدة في موضع واحد ، بل المراد نهي أولئك الأقوام المخاطبين بهذا الخطاب عن بعض أيمان مخصوصة أو أقدموا عليها.
فلهذا قال المفسرون : المراد : نهي الذين بايعوا الرسول ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ عن نقض عهده ؛ لأنه قوله : (فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها) لا يليق بنقض عهد قبله ، وإنما يليق بنقض عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم على الإيمان به وبشرائعه.
ينظر : اللباب (١٢ / ١٤٩ ، ١٥١) ، وعن الحسن بنحوه (٢١٩٠٥) ، و (٢١٩٠٦) ، وذكره السيوطي في الدر المنثور (٤ / ٢٤٥) عن الحسن وزاد نسبته لابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٣) سقط في أ.