قال بعضهم : [نزلت](١) في أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وذلك أن نفرا منهم قد مثلوا يوم أحد مثلة سيّئة : من قطع الآذان ، وتجديع الأنوف ، وبقر البطون ، ونحوه ؛ فقال أصحابهم : لئن أدالنا الله منهم لنفعلن ولنفعلن كذا وكذا. فأرادوا أن يجازوا بذلك ؛ فأنزل الله : (وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ ...) الآية [النحل : ١٢٦](٢).
وفيه البشارة لهم بالنصر والظفر على أعدائهم ؛ لأنه لو لم يكن لهم الظفر فكيف يقدرون على معاقبة مثل ما عاقبوا ؛ دل أنه على البشارة لهم بالنصر والظفر بهم. وفيه دلالة جواز أخذ من لم يتولّ القتل والأخذ والضرب ؛ لما لعلهم لا يظفرون بأولئك الذين تولّوا ذلك ، لكن لا يؤاخذ إخوانهم بهم ؛ لما بمعونة بعضهم بعضا فيها ، ويكون فيه دليل أخذ قطاع الطريق بالقتل والقطع ، وإن كان الذي تولّى ذلك بعض منهم ؛ لما أن من تولّى ذلك إنّما تولى بمعونة من لم يتول.
وقال بعضهم (٣) : إنما نزلت الآية في ابتداء الأمر الذي كان القتل مع الكفرة قتل مجازاة ؛ مثل قوله : (وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً) [التوبة : ٣٦] ، وكقوله : (فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ) [البقرة : ١٩١] ، ومثله ؛ فإذا كان على المجازاة أمر ألا يتجاوزوا عقوبتهم ، ولكن بمثله ، وأمّا إذا كان القتال معهم لا قتال مجازاة فإنهم يقتلون جميعا إذا أبوا الإسلام ؛ بقوله : (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ ...) الآية [التوبة : ٢٩] ، وقوله ـ عليهالسلام ـ : «أمرت أن أقاتل النّاس حتّى يقولوا لا إله إلّا الله» (٤) ، وقوله ـ تعالى ـ (تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ) [الفتح : ١٦].
وقال بعضهم (٥) : لا ، ولكن قد نزلت في أهل الإسلام ، وحكمه في القصاص والقطع فيما دون النفس والجراحات : أمر ألا يتجاوزوا حقوقهم ؛ كقوله : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) [الشورى : ٤٠] ، وقوله : (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ ...) الآية [البقرة : ١٩٤] ، وقوله :
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) ورد في هذا المعنى أحاديث عن أبي بن كعب وأبي هريرة وابن عباس.
حديث أبي بن كعب : أخرجه الترمذي وحسنه ، وعبد الله بن أحمد في زوائد المسند ، والنسائي وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان وابن مردويه والحاكم وصححه ، والبيهقي في الدلائل.
حديث أبي هريرة : أخرجه ابن سعد والبزار وابن المنذر وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل.
حديث ابن عباس : أخرجه ابن المنذر والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الدلائل ، وهي جميعها في الدر المنثور (٤ / ٢٥٥) ، وهو قول الشعبي وعطاء بن يسار وقتادة وابن جريج.
(٣) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير (٢٢٠٠١) ، وابن مردويه عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٢٥٦).
(٤) تقدم.
(٥) قاله محمد بن سيرين بنحوه ، أخرجه ابن جرير (٢٢٠٠٣) ، وعبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه كما في الدر المنثور (٤ / ٢٥٦) ، وهو قول إبراهيم والحسن وعبد الرزاق وسفيان ومجاهد.