تسع آيات إلى فرعون ؛ كما قال : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ)(١) [الإسراء : ١٠١].
وقوله : (إِلى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ) : دل هذا أنه كان مبعوثا إلى فرعون وقومه جميعا ؛ إذ ذكر في آية إلى فرعون خاصة ، وفي آية أخرى : (إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ) [الأعراف : ١٠٣] ، وذكر هاهنا (إِلى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ) ، فكان مبعوثا إلى الكل.
وقوله : (فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً) أي : يبصر بها ويعلم ، كقوله : و (النَّهارِ مُبْصِرَةً) [الإسراء : ١٢] أي : يبصر به.
وقرأ بعضهم : (مُبْصِرَةً) بنصب الصاد ، أي : بينة ظاهرة يبصر فيها ؛ وكذلك قال موسى لفرعون : (لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ) [الإسراء : ١٠٢].
وقالوا : (هذا سِحْرٌ مُبِينٌ) : لم يزل عادة فرعون اللعين تلبيس أمر موسى وآياته على قومه ؛ لئلا يؤمنوا به ولا يطيعوه فيما يدعوهم ؛ مرة قال : (إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ) [يونس : ٢] ، و (إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ. يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ) [الشعراء : ٣٥] ، وأمثال ذلك مما يلبس على قومه أمره ويغويهم عليه ؛ لئلا يطيعوه فيما يدعوهم إليه ولا يجيبوه.
وقوله : (وَجَحَدُوا) بالآيات : جائز في اللغة أن يقال : (جحد بها) و (جحدها) ؛ كلاهما واحد.
ثم قال بعضهم (٢) : إن الجحود لا يكون إلا بعد العلم به والإيقان.
ولكن يجوز أن يقال : جحد بعد المعرفة والعلم ، وقبل أن يعلم به ويعرف ؛ إذ الجحود ليس إلا الإنكار ، وقد يكون الإنكار للشيء للجهل به وبعد المعرفة.
وقال بعضهم (٣) : هو على التقديم والتأخير ؛ كأنه قال : فلما جاءتهم آياتنا مبصرة جحدوا بها ظلما وعلوا.
(وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ) : أنها من الله ، وأنها آياته ، ليست بسحر ، ولو كان سحرا في الحقيقة لكان آية ؛ لأن السحر على غير تعلم يكون منه آية سماوية.
وقوله : (ظُلْماً) : لأنهم جحدوا الآيات وسموها سحرا ، فوضعوا الآيات موضع السحر ، لم يضعوها موضعها ، والظلم : هو وضع الشيء في غير موضعه.
وقوله : (وَعُلُوًّا) أي : تكبرا وعنادا.
(فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) : ليس على الأمر له بالنظر في ذلك ، ولكن
__________________
(١) ثبت في حاشية أ : يعني قد تم الكلام بقوله : «تخرج بيضاء من غير سوء» ثم ابتدأ الكلام فقال لرسوله محمد ـ عليهالسلام ـ : «ولقد بعثنا ...» شرح.
(٢) انظر قول قتادة السابق.
(٣) قاله السدي ، أخرجه ابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٥ / ١٩٣).