وقال بعضهم (١) : أمين على فرج تلك المرأة.
مقامه : مجلس الرجل يكون فيه حتى يقوم ، ولكن لا ندري ما أراد بمقامه الذي ذكر.
وقال بعضهم (٢) : أراد سليمان أن يكون أعجل من ذلك (قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ) ذكر أنه كان رجلا يعلم اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب : (أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ).
ثم اختلف في ارتداد طرفه.
قال بعضهم : هو أن يبعث رسولا إلى منتهى طرفه فلا يرجع حتى يؤتى به.
وقال بعضهم : هو الرجل ينظر إلى الشيء البعيد قبل أن يرجع إليه طرفه.
(فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ) : قال بعضهم (٣) : دخل في نفق الأرض ، فخرج بين يدي سليمان ـ يعني : العرش ـ كأنه ـ والله أعلم ـ أتاه إذ دعاه بذلك الاسم ، من غير أن تكلف هو حمله أو إتيانه ؛ فهذا يدل أن الآيات قد تجري على غير أيدي الرسل ، لكن تكون الآية للرسول وإن كانت تجري على أيدي غيره.
ثم قال : (هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ) : قال بعضهم : والله ما جعله فخرا ولا أشرا ولا بطرا ، لكنه جعله شكرا وتواضعا.
وقال بعضهم : لما دعا ذلك الرجل بذلك الاسم فرآه مستقرا عنده ، وقع في قلب سليمان شيء وخطر بباله أنى يكون رجل عنده علم ما ليس عنده من العلم ، قال : فعزم الله له على الخبر.
وقيل له : إنه ممن خولك الله ، فقال سليمان : (هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي) ، يقول : ما أعطى ذلك الرجل ما لم يعطني (لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ) إذا كان مثله تحت يدي. (أَمْ أَكْفُرُ) ، لكن لا يحتمل أن يشكر الله على ما أعطى غيره.
ثم يحتمل قوله : (هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي) إتيانه أولئك مسلمين ، أو النبوة والعلم الذي آتاه الله ، قال : ذلك من فضل ربي ، أراد : تسخير ما سخر له (لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ) ، أي : يمتحنني أأشكر أم أكفر؟ (وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ) ؛ ليعلم أنه إنما يمتحن بالشكر ، ويأمره به لا لمنفعة الممتحن ولكن لمنفعة المأمور به.
__________________
(١) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير (٢٦٩٩٢) ، وانظر : الدر المنثور (٥ / ٢٠٤).
(٢) قاله الضحاك ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٦٩٩٩) ، وعن ابن إسحاق (٢٧٠٠٢).
(٣) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير (٣٧٠١١) ، وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن عساكر عنه ، وعن مجاهد أخرجه ابن أبي شيبة وابن المنذر ، وعن ابن سابط أخرجه ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر عنه ، كما في الدر المنثور (٥ / ٢٠٤ ، ٢٠٥).