جائز أن هذا إخبار من الله أنهم يفسدون أبدا في الأرض ولا يؤمنون أبدا.
وجائز أن يكون إخبارا عن حالهم ، أي : يعملون الفساد والمعاصي ولا يصلحون ، أي : لا يسعون بالصلاح.
وقال ابن عباس (١) : إن هؤلاء التسعة كانوا من أبناء أشرافهم ، وكانوا بالحجر ، وكانوا فساقا ، فقال بعضهم لبعض : لنقتلن صالحا وأهله ، ثم لنقولن لوليه ـ أي : لقومه من ورثته ـ : ما قتلناه.
وقوله : (لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ ما شَهِدْنا مَهْلِكَ أَهْلِهِ) : فتحالفوا على ذلك ، فأتوا صالحا ليلا فدخلوا عليه بأسيافهم ليقتلوه ، وعند صالح ملائكة جاءوا من الله تعالى يحرسونه ، فقتلوا الرهط فى دار صالح بالحجارة ؛ فذلك قوله : (وَمَكَرُوا مَكْراً) : بصالح وأهله ، (وَمَكَرْنا مَكْراً) أي : أهلكناهم ، (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) : أنهم يهلكون.
وقال بعضهم (٢) : هؤلاء التسعة الرهط تواثقوا أنهم يبيتون صالحا ويقتلونه وأهله بعد ما عقروا الناقة ، وقالوا فيما بينهم : فإن خوصمنا في ذلك لنقولن ولنقسمن : ما شهدنا مهلك أهله ، أي : ما حضرنا في هلاكهم ؛ على هذا التأويل يكون على التقديم والتأخير.
وقال بعضهم : هؤلاء التسعة كانوا شرار قومه ، خرجوا بخمر إلى بعض المغار ليشربوها ، ثم ليبيتوا على صالح وأهله ، فشربوا هنالك فانهدم بهم الصخرة وعذبوا فيه ؛ فذلك قوله : (وَمَكَرُوا) : بقتل صالح وهلاكه ، (مَكْراً وَمَكَرْنا) : بهم حيث أهلكناهم ، (مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ). والمكر : هو الأخذ بغتة.
وقوله : (وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنا مَكْراً) أي : جزيناهم جزاء مكرهم.
ثم اختلف في قراءة (٣) (لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَ) بالنون ؛ فذلك قول بعضهم لبعض.
وقرأه بعضهم بالتاء : لتبيتنه وأهله ثم لتقولن ؛ فذلك قول الرؤساء للأتباع.
ومن قرأ بالياء يجعله خبرا عن الله تعالى لهم.
وقوله : (فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا) أي : لم نسكن فيها أحدا ، ولكن تركناها خالية كذلك.
وقال بعضهم : (خاوِيَةً) أي : خربة بما ظلموا كقوله : (وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها) أي : ساقطة خربة ، وقد كان ذلك كله : منها ما جعل لغيرهم مسكنا إذا أهلكهم من نحو ما
__________________
(١) قاله البغوي (٣ / ٤٢٣).
(٢) قاله ابن عباس أخرجه ابن جرير (٢٧٠٤٩) ، وابن أبي حاتم ، كما في الدر المنثور (٥ / ٢١١).
(٣) ينظر : اللباب (١٥ / ١٧٩ ، ١٨٠).