والبلاء يتطيرون بهم ويتشاءمون ، ويقولون : إنما أصابنا هذا بشؤمكم ، وإذا أصابهم رخاء وسعة فقالوا : هذا لنا بنا ومن أنفسنا ، وهو ما قال موسى حيث قال : (فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ) الآية [الأعراف : ١٣١] ؛ وكذلك قال أهل مكة لرسول الله حيث قال : (وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ) [النساء : ٧٨] ، كانوا يتطيرون برسول الله ويتشاءمون بما يصيبهم من الشدة ، وما ينزل بهم من البلاء ، فأخبر الله رسوله ، وأمره أن يقول لهم : (كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ) أي : الرخاء والشدة من عند الله ينزل ، وهو باعث ذلك لا أنا ؛ فعلى ذلك قوله : (طائِرُكُمْ عِنْدَ اللهِ) أي : ما ينزل بكم ويصيبكم من الشدة والرخاء إنما ينزل من عند الله لا بنا ولا بكم.
أو يقال : ما ينزل بكم من العذاب في الآخرة إنما يصيب بتكذيبكم إياي في الدنيا.
أو أن يقال : طائركم عند الله ، أي : جزاء طيرتكم عند الله ، هو يجزيكم بها بعذاب الدنيا والآخرة.
(بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ) يحتمل قوله : (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ) ابتداء : مرة بالشدّة ومرة بالرخاء ، لا بما تكسبون من الأعمال.
وجائز أن قوله : (تُفْتَنُونَ) بالعذاب بما تكسبون من الأعمال في الدنيا ، أي : تعذبون بها.
قال أبو عوسجة : (طائِرُكُمْ عِنْدَ اللهِ) يقول : الله أعلم بطائركم وما تطيرتم به.
وقال القتبي (١) : (طائِرُكُمْ عِنْدَ اللهِ) أي : ليس ذلك بي وإنما هو من الله ، وهو ما ذكرنا.
وقوله : (وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ) : قال بعضهم : الرهط : إنما يقال من ثلاثة إلى تسعة ، وإذا نقص عن ذلك أو زاد يقال : رجال.
وقال أبو عوسجة : الرهط : النفر ، وأراهط ورهوط جمع.
ثم يحتمل الرهط وجهين :
أحدهما : (تِسْعَةُ رَهْطٍ) أي : تسعة نفر من الأتباع وغيره يفسدون في الأرض ولا يصلحون.
والثاني : تسعة رهط لا تسعة نفر من الرؤساء ، ولكل أحد منهم رهط من الأتباع يفسدون في الأرض ولا يصلحون.
__________________
(١) ينظر : تفسير غريب القرآن ص (٣٢٦).