وقوله : (إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ) أي : ما تسمع إلا أهل الإيمان بالآيات وأهل الإسلام منهم ، فأما أهل العناد والمكابرة فلا.
وقوله : (وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ) : قال بعضهم : قوله : (وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ) أي : إذا وقعت الحجة عليهم ولزمت فكذبوها أخرجنا لهم دابة.
وقال بعضهم : وإذا وقعت السخطة والغضب عليهم أخرجنا لهم دابة.
وقال قائلون : (وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ) ، أي : إذا بلغوا في الكفر حدّا يعلم الله أنهم لا يؤمنون أبدا بعد ذلك (أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً) ، لكن قد ذكرنا في غير موضع : أن هذا لا يصح ولا يجوز ؛ إذ الله ـ عزوجل ـ لم يزل عالما بما كان ويكون منهم أبد الآبدين ، فليس علمه بأحوالهم بما يكون منهم إذا بلغوا ذلك الحدّ ، بل لم يزل عالما بما يكون منهم ، وهذا الحرف الذي يقول القائل يومئ إلى أنه إنما يعلم ذلك منهم إذا بلغوا ذلك الحدّ وقبل ذلك لا ، فهو قبيح.
وقول من قال : إذا وقعت الحجة عليهم ؛ فهو لا يحتمل أيضا ؛ لأن الحجة قد كانت قامت قبل ذلك الوقت ، وليست تقوم الحجة عليهم في ذلك الوقت.
فيكون التأويل أحد وجهين :
أحدهما : ما ذكرنا من وقوع العذاب ، ووجوب العقوبة والسخطة عليهم ؛ كقوله : (أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ) [الأحقاف : ١٨] أي : العذاب وجب عليهم.
والثاني : أي : إذا أتى وقت خروج الدابة التي وعدنا لهم أنها تخرج ، أخرجناها لهم في ذلك الوقت ، أي : لا يتقدم خروجها عن الوقت الموعود ولا يتأخر ؛ كقوله : (فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) [الأعراف : ٣٤] ، وهكذا كل شيء جعل الله لظهور ذلك وكونه وقتا لا يتقدم ولا يتأخر ذلك الوقت ؛ هذا ـ والله أعلم ـ يشبه أن يكون تأويل الآية.
وقوله : (تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ) : قراءة العامة بالتشديد : تكلمهم من التكليم والتحديث ؛ وكذلك في بعض الحروف : تحدثهم وتنبئهم ، وقد قرئ : (تُكَلِّمُهُمْ) بالتخفيف (١) وهو من الجراحة ، وهو ما ذكر في الأخبار والقصص أن الدابة إذا خرجت تجرح الكافر ، وتسمه بسمة وعلامة ، حتى يعرف الكافر من المؤمن فيقال : يا مؤمن ويا كافر.
وسئل ابن عباس عن ذلك؟ فقال : «تكلم المؤمن وتحدثه ، وتجرح الكافر» (٢) ، والله
__________________
(١) ينظر : اللباب (١٥ / ٢٠١).
(٢) أخرجه عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، كما في الدر المنثور (٥ / ٢١٧).