في قليب ـ هل وجدتم ما وعد ربكم حقا؟! ألم تكذبوا نبيكم وتكفروا بربكم وتقطعوا أرحامكم» (١)؟! فأنزل الله هذه الآية : (إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى).
لكن عندنا أن الله تعالى سمى الكافر : ميتا في غير آي من القرآن ؛ لما لم يجهدوا أنفسهم في عبادة الله ولا استعملوها في طاعته ، فهم كالموتى ، وسماهم : صما ؛ لما لم يسمعوا الحق ولم يقبلوه ، وسماهم : بكما ؛ لما لم ينطقوا بالحق ولا تكلموا به ، وسماهم : عميا ؛ لما لم يبصروا الحق ، وسماهم : موتى ؛ لما لم يستعملوا أيديهم في الحق ؛ فنفى عنهم هذه الحواس لما لم ينتفعوا بهذه الحواس ، ولا استعملوها فيما أنشئت وخلقت وإن كانت لهم هذه الحواس ؛ فعلى ذلك سماهم : موتى وهلكى ، وفي موضع آخر شبههم بالأنعام وأخبر أنهم أضل ؛ لما لم يستعملوا أنفسهم فيما أنشئت هي له ، ولم ينتفعوا بها.
فإن قيل : ما معنى قوله : (وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ) : أخبر أنه لا يقدر على أن يسمع الصم إذا ولوا مدبرين ، ولا يقدر أن يسمع الصم وإن أتوا مقبلين ولم يولوا؟
قيل : معناه ـ والله أعلم ـ أنهم صاروا صما لا ينتفعون بما سمعوا لإعراضهم وترك إمكان النظر فيه ، ولو أقبلوا إليه لانتفعوا به ، فيصير مسمعا لهم ؛ يخبر عن شدة تعنتهم ومكابرتهم أنهم كالصم المدبرين ، لا يمكن إسماعهم بحال ولا تفهيمهم وإن جهد ، وأما الصم المقبلون فإنهم قد يمكن إسماعهم وتفهيمهم بجهد بالإشارة والإيماء ، والله أعلم بذلك.
وقوله : (وَما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ) ، وفي بعض القراءات : وما أنت تهدي العمي عن ضلالتهم (٢) ، هذا يدل أن ليس كل الهدى البيان على ما قالت المعتزلة ؛ لأنه لو كان الهدى كله بيانا في جميع المواضع على ما قالوا هم ، لكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقدر أن يبين للكفار عن ضلالتهم ، وقد بين لهم ، ثم أخبر رسوله : (وَما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ) ، فدل هذا أن عند الله هداية ولطفا إذا سألوه وطلبوا منه ذلك وأعطاهم لاهتدوا به وآمنوا ، فهذا ينقض على المعتزلة قولهم.
__________________
(١) أخرجه البخاري (٨ / ٣١) ، كتاب المغازي باب : قتل أبي جهل (٣٩٧٦) ، ومسلم (٤ / ٢٢٠٤) ، كتاب الجنة وصفة نعيمها ، باب : عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه (٧٨ / ٢٨٧٥) ، عن أنس عن أبي طلحة.
(٢) ينظر : اللباب (١٥ / ٢٧٠).