ادعى لنفسه الألوهية والربوبية ، بعد ما كان عبدا كسائر العباد أو دونهم ، فعلا قدره وارتفعت منزلته بدعواه بذلك ، وعلا في الأرض ، أي : غلب.
وقوله : (وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً) قيل (١) : فرقا : يستضعف طائفة ، ويذبح طائفة ، ويستحيي طائفة ، ويعذب طائفة.
وجائز أن يكون قوله : (وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً) أي : جعل لكل طائفة منهم عبادة صنم لم ، يجعل ذلك لطائفة أخرى ، وجعل طائفة أخرى على عمل أولئك وحوائجهم ؛ ليتفرغوا لعبادة الأصنام التي استعبدهم لها ؛ لأن الشيع فرق يرجعون جميعا إلى أصل واحد وإلى أمر واحد.
وقوله : (إِنَّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) : كذلك كان ، لعنه الله.
وقوله : (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ) : هذا في الظاهر إخبار لرسوله أنه سيفعل ذلك ، لا أنه منّ عليهم وفعل ذلك ؛ لأنه يقول : نريد أن نمن على الذين كذا ، وقد من عليهم بذلك فهلا قال : وقد مننا على الذين استضعفوا في الأرض؟ لكن معناه ـ والله أعلم ـ أي : كنا نريد في الأزل أن نمن عليهم ، وأن نجعلهم أئمة ، وأن نجعلهم الوارثين ، وإلا الظاهر ما ذكرنا.
وقوله : (وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً) يحتمل وجهين :
أحدهما : جعلهم جميعا أئمة لنا ، بهم نقتدي وننقاد لهم ، أو أن يكون قوله : (وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً) أي : نجعل فيهم أئمة وقادة لهم ، أي : نجعل بعضهم أئمة لبعض ؛ كقوله لموسى : (اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ) [المائدة : ٢٠] ، والأئمة المذكورة هاهنا كأنهم هم الأنبياء الذين ذكروا في هذه الآية.
(وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ. وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ) : هذا كما ذكر في آية أخرى : (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا) الآية [الأعراف : ١٣٧] ، أي : يرثون الأرض وملكهم بعد فرعون وقومه.
والوارث : هو الباقي على ما ذكرنا ؛ كأنه قال : يبقون هم في أرضهم وملكهم بعد هلاكهم ؛ كقوله : (إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها) [مريم : ٤٠] ، أي : نبقى نحن بعد هلاك الأرض وهلاك من عليها ، والله أعلم.
وقوله : (وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ) أي : يرون ما كانوا
__________________
(١) قاله قتادة ومجاهد وابن زيد ، أخرجه ابن جرير عنهم (٢٧١٥٩) ، (٢٧١٦١) ، (٢٧١٦٢) ، (٢٧١٦٣) ، وانظر : الدر المنثور (٥ / ٢٢٦).