واهتدى ، لكنه لم يعطه لما ذكرنا.
وفيه لطف آخر : وهو أن فرعون والقبط كانوا يقتلون الولدان من الذكور ؛ ليصير الذي يخاف هلاكه وذهاب ملكه على يديه مقتولا ، فجعل الله بلطفه ورحمته محبته في قلب فرعون وقلوب أهله ، حتى صار أحب الخلق إليهم ، وصاروا هم أشفق الناس وأرحمهم عليه ، حتى خافوا هلاكه وطلبوا له المراضع ؛ لئلا يهلك بعد ما كانوا يطلبون هلاكه وتلفه ، وذلك لطف منه له ورحمة ، وهو ما قال : (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي) [طه : ٣٩] ، وبالله يستفاد كل فضل ونعمة.
وقوله : (فَقالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ).
قوله : (فَقالَتْ) أي : أخته التي كانت تتبعه وتمشي على أثره ، وذلك منها تعريض بالدلالة لهم إلى أمّه ؛ لئلا يشعروا أنها أمّه حيث قالت : (أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ) ، ولم تقل : على امرأة لها لبن وهي ترضع ، ولعلها لو قالت لهم ذلك وقع عندهم أنها أمه ، ولكن دلتهم إلى بيت ليقع عندهم أنهم أهل بيت قتل ولدهم ولهم ولد يكفلونه لكم ، أي : يقبلونه ويضمونه إلى أنفسهم.
(وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ) : يحتمل قولهم : (وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ) أي : لفرعون لا يخونونه فيه. ويحتمل (وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ) لموسى.
وقوله : (فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها) ، بالمقام معه والكون عندها ، (وَلا تَحْزَنَ) : على فراقه.
أو أن يقال : (كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ) ، أي : تسرّ بردّه إليها ، وذلك معروف في النساء ظاهر أنهن يحزن بمفارقة أولادهن ويهممن لذلك ، ويسررن إذا جعلوا إليهن واجتمعوا.
وقوله : (وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ) : كانت تعلم هي ـ والله أعلم ـ أن وعد الله حق كائن لا محالة ، لكن علم خبر لا علم عيان ومشاهدة ؛ كأنه قال : لتعلم علم عيان ومشاهدة ما علمت علم خبر ؛ لأن علم العيان والمشاهدة أكبر وأبلغ وأتقى للشبهة من علم الإخبار ؛ ألا ترى أن إبراهيم سأل ربه أن يريه إحياء الموتى ، وإن كان يعلم حقيقة أنه يحيي الموتى ، وأنه قادر على ذلك ، لكنه كان يعلمه علم خبر فأحبّ أن يعلمه علم عيان ومشاهدة ؛ لأنه أكبر وأبلغ وأدفع للوساوس من علم الإخبار؟! فعلى ذلك هذا.
وقوله : (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) : والمعتزلة فيهم ؛ لأنه أخبر أنه يملأ جهنم من الجنة والناس أجمعين ؛ حيث قال : (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ) [الأعراف : ١٨] ، وهم يقولون : أراد ألّا يملأ جهنم ؛ لأنهم يقولون : إنه أراد إيمان كل الناس جميعا وشاء ذلك لهم فلم يؤمنوا ، فعلى