لكنهم يقولون : قوله : (يَخْلُقُ ما يَشاءُ) إذا خلقه ؛ وكذلك يقولون في قوله : (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [البقرة : ٢٨٤] : إن خلقه أو كلام نحو هذا.
فلئن جاز لهم هذا من الزيادة جاز لكل أحد مثله ، فذلك بعيد.
وعلى قولهم أكثر الأشياء ليست بمخلوقة لله ، وهو على أكثر الأشياء غير قدير ؛ لأن أفعال الخلق لا شك أنها أكثر من أنفسهم ، فأخبر أنه على كل شيء قدير ، وأنه يخلق ما يشاء ، وأن هذا منه خرج مخرج الامتداح له والثناء له بما له من السلطان والقدرة على الخلق كلهم ، فلو كان على ما يقوله المعتزلة لم يكن هذا مدحا له ولا ثناء بالسلطان والقدرة ؛ إذ هو على قولهم على أكثر الأشياء ليس بقادر على ما ذكرنا.
ثم نزه نفسه وبرأها عما قالوا فيه وأشركوا غيره في ألوهيته وربوبيته وفي عبادته فقال : (سُبْحانَ اللهِ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) ، وقال : (وَرَبُّكَ يَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ) هذا يخرج على الوعيد لهم والتنبيه ؛ ليكونوا على حذر فيما يسرون وما يعلنون ، والله أعلم.
وقوله : (وَهُوَ اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ).
قوله : (وَلَهُ الْحُكْمُ) كقوله : (وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) ، وقد ذكرنا أن قوله : (وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) من أمرهم أنه يخرج على وجهين :
أحدهما : له الاختيار في أمرهم ؛ لا لهم الاختيار في أمرهم ، ولا يملكون هم ما يختار لهم دفعه.
والثاني : هو يختار لهم الخيرة في أمرهم ؛ لأنه هو العالم بمصالح أمورهم وما يرجع إلى الأوفق والأنفع وهم لا يعرفون ذلك ، فعلى ذلك قوله : (لَهُ الْحُكْمُ) في الدنيا والآخرة لأن أنفس الخلائق له دونهم ، فله الحكم في أمورهم وأفعالهم ؛ كما له الحكم في أحوالهم ؛ لأنه لا يلحقه الخطأ في حكمه ؛ إذ هو عالم بذاته ، ولا تلحقه التهمة أيضا في دفع مضرة أو جر نفع ؛ لأنه غني بذاته فله الحكم في الدارين جميعا ، والله الموفق.
وقوله : (لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَالْآخِرَةِ) : هذا يخرج على وجوه :
أحدها : ما قاله أهل التأويل (١) : إن أولياءه يحمدونه في الدنيا والآخرة في الجنة حيث قالوا : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ ...) الآية [فاطر : ٣٤] يقولونه إذا دخلوا الجنة.
والثاني : وقال بعضهم (فِي الْأُولى وَالْآخِرَةِ) يقول : في السموات والأرض ، وتصديقه
__________________
(١) قاله البغوي في تفسيره (٣ / ٤٥٣).