صنعة الذهب ويحسنها (١).
وقال بعضهم : (إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي) أي : على خبر عندي ، قال ذلك على أثر قول أولئك : (وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا) إلى قوله تعالى : (وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ) كأنهم أوعدوه بذهاب ذلك عنه وهلاكه ، فقال ـ والله أعلم ـ : إنما أوتيت ذلك على علم عندي ، لم أوت جزافا بلا سبب ، وكأنه ـ والله أعلم ـ نسي الآخرة بما أوتي من المال والكنوز ، وترك الإنفاق في الخير ، وكان ينفق في صد الناس عن سبيل الله ؛ ولذلك قال : (وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ) ، إلا أنه كان عارفا بالله حيث قالوا له : (وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ) وقالوا له : (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) دل هذا منهم أنه كان عارفا بالله تعالى.
وقوله : (أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً) : ذكر هذا ـ والله أعلم ـ لما أنه كان يفتخر ويستكبر على الناس بما أوتي من الأموال والكنوز والأتباع ، ويحسب أنه يدفع العذاب الموعود في هذه الدنيا بذلك عن نفسه.
أو يظن أنه لما أوتي ذلك لا يعذب كظن أولئك الكفرة حيث قالوا : (نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالاً وَأَوْلاداً وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ) [سبأ : ٣٥] ؛ فجائز أن كان من قارون من الإعجاب بالكثرة والجمع ما ذكر بأولئك ، فقال عند ذلك : (أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً) ، ثم لم يتهيأ لهم دفع ما نزل بهم من العذاب ؛ فعلى ذلك أنت يا قارون ، والله أعلم.
وقوله : (وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ) : اختلف فيه :
قال بعضهم (٢) : لا يسألون عن ذنوبهم ؛ كقوله : (يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ) [الرحمن : ٤١].
وقال بعضهم (٣) : لا يسأل هذه الأمة عن صنيع مجرمي الأمم الخالية.
وجائز ألا يسأل عن ذنوبهم ؛ لأنهم لا يرون ما يعملون من الأعمال ذنوبا ، ولكن إنما يسألون عن الدليل الذي به لا يرون تلك الأعمال ذنبا ، والله أعلم.
__________________
(١) ثبت في حاشية أ : يقول بعضهم : (على علم عندي) ، هو علم الكمية. شرح.
(٢) قاله قتادة ، أخرجه ابن جرير (٢٧٢٦١) ، وعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٥ / ٢٦٢).
(٣) قاله محمد بن كعب ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٧٦٢٣).