وقوله : (فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ) : قال عامة أهل التأويل (١) : إنه خرج على بغال شهب ، ومعه كذا كذا من الجواري على كذا كذا بغال شهب عليهن من الثياب كذا.
وقال بعضهم (٢) : إنه خرج على براذين كذا بيض مع كذا كذا غلمان وجواري ، ونحو ما ذكروا.
لكنّا لا ندري على أيّ زينة خرج؟ ولكنا نعلم أنه خرج على الزينة التي يخرج أمثاله من الملوك ، ولا نفسّر أنه كذا على كذا ، وكذلك لا نفسّر العلم ؛ ذكر أنه أوتي له من المال والكنز أنه كان عنده كذا من العلم ، والله أعلم بذلك ، وليس لنا إلى معرفة ذلك حاجة.
وقوله : (وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) أي : أوتوا منافع العلم : لأنه قد يؤتى العلم ربمّا ، ولا يؤتى من الانتفاع له به ما أوتي هؤلاء ؛ حيث قالوا لأولئك : (وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً) لم يكن من أولئك إلا التمني أن يؤتوا مثل ما أوتي قارون ، ثم نهاهم الذين أوتوا منافع العلم والانتفاع به عن ذلك التمني ، فدل ذلك أن التمني لا يسع الاشتغال به والطلب ؛ حيث قالوا لهم : (وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً وَلا يُلَقَّاها إِلَّا الصَّابِرُونَ).
اختلف في قوله : (وَلا يُلَقَّاها) كيف ذكره بالتأنيث ، وإنما تقدم له ذكر الثواب ، فألا قال : (وما يلقاه)؟ لكن اختلف فيه :
قال بعضهم : (وَلا يُلَقَّاها) كناية عن تلك المقالة التي كانت من أولئك الذين أوتوا العلم لأولئك الذين يريدون الحياة الدنيا ، أي : لا يلقى تلك المقالة التي قالوها لأولئك إلا الصابرون.
وقال بعضهم : لا ، ولكن ذلك كناية عن الأعمال ، أي : ولا يلقى تلك الأعمال ولا يوفق إليها إلا الصابرون.
قال أبو عوسجة والقتبي (٣) : (وَلا يُلَقَّاها) أي : لا يوفق ، ويقال : لا يرزق.
(الصَّابِرُونَ) يحتمل : المؤمنين أنفسهم ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) [إبراهيم : ٥] وقوله : (إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) [هود : ١١] أي : آمنوا.
ويحتمل : الصابرون : الذين صبروا أنفسهم وحبسوها على أداء ما افترض الله عليهم ،
__________________
(١) قاله ابن جريج ، أخرجه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٥ / ٢٦٢).
(٢) قاله مجاهد ، أخرجه ابن جرير (٢٧٦٢٦) ، والفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٥ / ٢٦٢).
(٣) ينظر : تفسير غريب القرآن ص (٣٣٦).