وجهين : أحدهما : وما كنت ترجو ـ وإن كنت مطيعا أي : خاضعا ـ أن يلقى إليك الكتاب وينزل عليك وتصير رسولا ، أي : لم تكن تطمع ذلك ، ولكن الله بفضله ورحمته جعلك رسولا نبيّا.
والثاني : ما كنت ترجو أن تكون في قومك وقبيلتك رسالة فضلا أن ترجو وتطمع في نفسك ؛ لأنهم ليسوا من بني إسرائيل ولا من أهل الكتاب ، والرسالة من قبل كانت لا تكون إلا في بني إسرائيل ، ولكن الله جعل الرسالة في العرب ، وفي نفسك برحمته وفضله ، والله أعلم.
وقوله : (فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِلْكافِرِينَ) : هذا يخرج على وجوه :
أحدها : على النهي ، أي : لا تكن ظهيرا وإن كان لا يكون للعصمة التي عصمه الله ؛ لأن العصمة لا تمنع النهي والأمر ، بل منفعة العصمة إنما تكون عند النهي والأمر.
والثاني : على الأمن له والإياس أن يكون ظهيرا لهم ، كأنه يخاف لعله أن يكون ظهيرا لهم في وقت من الأوقات ، فأمنه الله عن ذلك فقال : لا تخف فإنك لا تكون ظهيرا لهم ، وهو ما ذكرنا في قوله : (وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ) [الحجر : ٨٨] وقوله : (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ) [فاطر : ٨] على رفع الحزن والحسرة بتركهم الإيمان ؛ فعلى ذلك الأول.
والثالث : أن الخطاب وإن كان له في الظاهر فالمراد منه غيره ، على ما ذكرنا في غير آي من القرآن : أنه خاطب به رسوله والمراد به غيره ؛ وكذلك بهذا.
وفي قوله : (وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آياتِ اللهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلى رَبِّكَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) في هذا ما في الأول من الوجوه التي ذكرنا ؛ وكذلك : هذا في قوله : (وَلا تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ).
وقوله : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) : قال بعضهم (١) : قوله : (كُلُّ شَيْءٍ) يرجى منفعته وشفاعته من دون الله باطل ، إلا ما ابتغي منه وعمل له.
وقال بعضهم (٢) : كل شيء هالك وزائل إلا هو ؛ فإنه حي لا يموت دائم لا يزول.
وقال بعضهم : كل أمر وجهة يتوجه إليها ويعمل به هالك إلا الجهة والوجه الذي أمر هو بالتوجيه إليه والعمل به ، وهو قريب بالأول ، والله أعلم.
* * *
__________________
(١) هو قول ابن عباس ومجاهد وسفيان ، كما في الدر المنثور (٥ / ٢٦٧).
(٢) قاله ابن جرير (١٠ / ١١٩).