ذلك ؛ فعلى ذلك الإعادة والنشأة الأخرى ، وإن كانت خارجة عن احتمال وسعهم وقواهم ـ قادر عليها.
أو أن يقال : انظروا واعتبروا أن بدء الخلق والنشأة من الحكم العالم الذاتي بلا إعادة ورجوع ليس بحكمة في العقل والحكمة جميعا ؛ لأن في الحكمة والعقل : التفريق بين الولي والعدو ، وبين الشاكر والكافر ، وبين المطيع والعاصي ؛ إذ قد سوى بينهم في الدنيا وأشركهم فيها ، حتى جعل للكافر ما للشاكر ، و [كذلك] الولي والعدو والمطيع والعاصي ؛ فلا بد من الإعادة في دار يفرق بينهم ليخرج بدء إنشائهم وخلقه الخلق على الحكمة والتدبير والعلم لا على السفه والعبث ، والله أعلم.
وقوله : (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) : في النشأة الأولى والآخرة جميعا لا يعجزه شيء ؛ إذ هو قادر بذاته.
وقوله : (يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشاءُ) : يحتمل هذا في الدنيا : يعذب من يشاء في الدنيا ، أي : يمتحنه ويبتليه بالشدة والضيق ، ويرحم من يشاء ، أي : يمتحنه بالسعة والرخاء ؛ فيكون التعذيب كناية عن الشدة والضيق ، والرحمة : كناية عن السعة والرخاء ؛ وهو كقوله : (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ) [الأنبياء : ٣٥] ؛ فعلى ذلك قوله : (يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ) أي : ترجعون.
ويحتمل التعذيب في الآخرة والرحمة فيها ، أي : يعذب من يشاء في الآخرة من كان في الدنيا أهلا له مستوجبا ، ويرحم من يشاء من كان في الدنيا أهلا لها مطيعا لها.
وقوله : (وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) أي : ما أنتم بمعجزين الله في السماء ، وعلى قول المعتزلة : يكونون معجزين الله في الأرض على ظاهر مذهبهم ؛ لأنهم يقولون : إن الله قد أراد إبقاء الأخيار وأهل الصلاح ، ثم يجيء كافر فيقتلهم قبل أجلهم الذي أراد الله إبقاءهم إلى وقت.
وكذلك يقولون : أراد الله أن يرزقهم الحلال ، وأراد أن يكون أولادهم من رشد ونكاح ، لكنهم يطلبون الرزق من حرام ويزنون ، فيخلق أولادهم من زنى شاء أو أبى ، لا يقدر التخلص عما يريدون هم ، فأي إعجاز يكون أشد من هذا ، فنعوذ بالله من السرف في القول.
وقوله : (وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ) هم يعلمون ـ أعني : الكفرة ـ أنهم لا يعجزون الله ولا يقدرون على إعجازه ، لكنه يذكر ؛ لأنهم كانوا يعملون عمل من هو معجز فائت عن عذاب الله ونقمته ؛ وهو كقوله : (وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ)