فقال : «لا حتى تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله» ، فشهد بذلك فطعم من طعامه ، فبلغ ذلك أبيّ بن خلف فأتاه فقال : صبوت يا عقبة [صدقت] محمدا وأجبته إلى ما دعاك؟!! فعيره على ذلك حتى رجع عقبة عن ذلك ، وارتد عن دينه ، وفي الحديث طول ؛ فنزلت الآية في شأنه وصنيعه وندامته وحسرته على ما فعل ، فقال : (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً ...) إلى آخر ما ذكر.
وذكر أن عقبة وأبي بن خلف قتلا : أحدهما يوم بدر ، والآخر يوم أحد ، ولكن الآية في كل ظالم وكل كافر يكون على ما ذكر.
ثم يحتمل قوله : (يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ) على التمثيل ، والكناية عن الندامة والحسرة ؛ لأن من اشتد به الندامة والحسرة والغيظ على شيء كاد أن يعض يديه غيظا منه على ذلك ؛ كما كنى بغل اليد عن ترك الإنفاق ، وبالبسط عن كثرة الإنفاق والمجاوزة فيه ؛ وكما كنى بالنبذ وراء الظهر عن ترك الانتفاع وقلة النظر فيه والاكتراث إليه ؛ كقوله : (نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ) [الأنفال : ٤٨] عن الرجوع ونحوه ، وقوله : (يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ) [آل عمران : ١٤٩] ، وقوله (فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها) ، وأمثال هذا على التمثيل والكناية عن الرجوع والثبات والأخذ والترك ؛ فعلى ذلك جائز أن يكون عض الأيدي كناية عن شدة الندامة والغيظ على ما حل به.
ويشبه أن يكون على التحقيق : تحقيق عض اليد ، يجعل الله عقوبته بعض اليد ؛ كما جعل عقوبة أنفسهم بأنفسهم ؛ حيث جعل أنفسهم حطبا للنار يعذبون ويعاقبون ، والله أعلم.
وقوله : (يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً) : السبيل الذي دعاه الرسول إليه.
(يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً) : يحتمل الإنسان ، ويحتمل الشيطان ، أي : لم أتخذ الشيطان خليلا ، ولم أطعه فيما دعا ، أو الإنسان الذي قلده فيما قلده.
وقوله : (لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي) : يحتمل قوله : (عَنِ الذِّكْرِ) أي : الشرف الذي يذكر به المرء ، أضلني عن ذلك الشرف ، أو أضلني عما يذكرني هذا ، أو أضلني عن الذكر ، أي : عن القرآن : وما فيه من الذكرى ، والله أعلم.
وقوله : (وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولاً) أي : تاركا له متبرئا منه ، يقول كما قال في آية أخرى حكاية عنه : (إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ) [الحشر : ١٦] ، ويقول كما قال : (وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ ...) الآية [إبراهيم : ٢٢] أو أن يكون كما ذكر : (ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ ...) الآية [العنكبوت : ٢٥].
أو أن يكون ذلك الخذلان منه له في الدنيا يمنيه بأماني ويزين له أشياء ، ثم لا يوصله إليها.