وصف مرة بالهباء المنثور ، ومرة كالعهن المنفوش ، ومرة كثيبا مهيلا ، ومرة قال : (وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً) الآية [النمل : ٨٨] ، ونحوه من الأوصاف التي وصفها ، وذلك في أوقات مختلفة ، تكون في كل وقت على حال ووصف الذي وصف ؛ فعلى ذلك السماء لشدة هول ذلك اليوم وفزعه.
وقوله : (تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ) أي : تنشق عن الغمام فتبقى بلا غمام ؛ كقوله : (وَإِذَا السَّماءُ كُشِطَتْ) [التكوير : ١١].
وجائز أن يكون قوله : (بِالْغَمامِ) أي : يبقى الغمام فوق رءوس الخلائق يظلهم ، وهذا يدل أن قوله : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ) إنما معناه : بظلل من الغمام ؛ فإن كان على هذا فيرتفع الاشتباه ، والله أعلم.
وقوله : (الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ) : يحتمل إضافة ملك ذلك اليوم إليه ، وإن كان الملك له في جميع الأيام في الدنيا والآخرة ـ وجوها (١) :
أحدها : لما أن ملك الآخرة ملك دائم باق بلا فناء له ، وملك الدنيا جعله فانيا لا دوام ولا بقاء [له].
والثاني : [لما] يقر له جميع الخلائق بالملك له في ذلك اليوم ، وإن لم يقر له البعض بملك الدنيا.
والثالث : لما لا ينازعه أحد في ملك ذلك اليوم ، وإن كان له منازع في الدنيا.
أو أن يكون المقصود بخلق هذا العالم في ذلك اليوم يظهر للخلق ، ويومئذ يعلم كل أن خلقهم في الدنيا لذلك اليوم كان ، لا للدنيا خاصة.
وقوله : (لِلرَّحْمنِ) : ذكر هنا الرحمن ، وقال في آية أخرى : (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) [غافر : ١٦] ؛ لتعلم العرب أن الرحمن المذكور في هذه الآية هو الله الذي لا إله إلا هو ذكر في تلك الآية ؛ لأن العرب تسمي وتعرف كل معبود : إلها ، ولا تعرف الرحمن معبودا ولا تسميه الرحمن ، فعرفهم أن الله والرحمن اللذين ذكرهما واحد.
وقوله : (وَكانَ يَوْماً عَلَى الْكافِرِينَ عَسِيراً) : ظاهر لا شك فيه فكذلك يكون.
وقوله : (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً ...) الآية : قال بعض أهل التأويل (٢) : نزلت الآية في عقبة بن أبي معيط ؛ كان يؤاخي رسول الله ويواده ، وكان رسول الله يجيبه إذا دعاه إلى طعامه ، فدعا يوما رسول الله إلى طعامه
__________________
(١) ينظر : اللباب (١٤ / ٥٢٠).
(٢) قاله مجاهد ، أخرجه ابن جرير (٢٦٣٥١) ، والفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، كما في الدر المنثور (٥ / ١٢٦) ، وعن ابن عباس والشعبي ومقسم بنحوه عند ابن جرير.