قال أبو عوسجة : (وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً) : هو من التكبر ، ويقال : من الخلاف : عتا عتيا ؛ إذا خالف ، يقال في الكلام : لا تعت علي ، أي : لا تخالفني.
وقال بعضهم : هو من الشدة واليبس ؛ كقوله : (وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا) أي : يابسا.
وقال : (حِجْراً مَحْجُوراً) أي : حراما محرما ، وحجرت عليه ماله ، أي : منعته من ماله أحجر حجرا. ويقال : حجرت عينه ، أي : لطخت أجفانها بشيء من الدواء.
وقوله : (هَباءً مَنْثُوراً) أي : لا شيء ، والهباء : هباء النار ، أي : رمادا يكون على أعلى النار إذا خمدت ويقال : هبت النار تهبو هبوا إذا خمدت والجمرة على حالها ، إلا أنه قد غطاه ذلك الهباء ، وكل شيء ليس لشيء فهو هباء ، وتقول : هذا هباء ، أي : لا شيء ، ومنثور : قد نثر.
وقوله : (أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً) : وصف عزوجل أعمال الكفرة مرة بالهباء المنثور ، ومرة بالرماد ، ومرة بالسراب ، ومرة بالتراب الذي يكون على الصفوان ، وهو الحجر الأملس إذا أصابه الوابل. ووصف أعمال المؤمنين بالثبات والقرار ونحوه.
وعن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ : «لا ينتصف النهار يوم القيامة حتى يقيل أهل النار في النار ، وأهل الجنة في الجنة ثم قرأ : أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا» (١). وكذلك ذكر في حرفه في سورة الصافات : (ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ) قرأ هو : إن مقيلهم لإلى الجحيم أي : إلى الجحيم.
ويشبه أن يكون ذكر هذا لقولهم : (أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها) أي : لنا أموال وجنات ، وليس له من ذلك شيء ، فقال جوابا لهم : (أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً).
وقوله : (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً) : وصف السماء لهول ذلك اليوم بأوصاف وذكر لها أحوالا ، فقال في آية أخرى : (وَإِذَا السَّماءُ كُشِطَتْ) [التكوير : ١١] ، و (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ) [الانشقاق : ١] ، و (إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ) [الانفطار : ١] ، وقال : (يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ) [الأنبياء : ١٠٤] ، و (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ) [الرحمن : ٤٨] ونحو ذلك ، وذلك في اختلاف الأوقات ، يكون في كل وقت على الحال التي وصف ؛ وكذلك ما
__________________
(١) أخرجه ابن المبارك في الزهد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه ، كما في الدر المنثور (٥ / ١٢٢).