حجرا محجورا ؛ إذا رأوا الملائكة وما معهم من المواعيد.
قال بعضهم (١) : إن الملائكة يتلقون المؤمنين بالبشرى على أبواب الجنة ، ويقولون للكفرة : لا بشرى لكم ، ويقولون : حجرا محجورا ، أي : تقول الملائكة : حرام البشرى للمجرمين ، أو حرام عليهم الجنة أن يدخلوها ، والحجر على هذا القول هو الحرام.
وقال بعضهم : الحجر هاهنا هو المنع والحظر ، يقولون : إنهم يمنعون ويحظرون عما طمعوا وقصدوا بعبادتهم الملائكة والأصنام التي عبدوها ، حيث قالوا : (هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ) [يونس : ١٨] و (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) [الزمر : ٣] فيقول : يمنع عنهم ما قصدوا وطمعوا بعبادتهم.
أو يكون المنع : ثواب الخيرات التي عملوها في هذه الدنيا من صلة الأرحام والصدقات ونحوها ، مما هي في الظاهر خيرات منعوا ثوابها في الآخرة ؛ كقوله : (وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً) [الكهف : ٣٦] ، وقوله : (وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى) [فصلت : ٥٠] ونحو ذلك كله ، والله أعلم.
وقوله : (وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً) : هو ما ذكرنا من الأعمال عملوها في هذه الدنيا رجاء أن يصلوا إليها في الآخرة ، فجعلناها هباء منثورا.
قال أهل التأويل (٢) : (وَقَدِمْنا) أي : عمدنا وقصدنا إلى ما عملوا من عمل.
لكن عندنا : جعلنا أعمالهم تلك في الأصل هباء منثورا.
وقال بعضهم : منبثا وهو رهج (٣) الدواب.
وقال بعضهم : الهباء المنثور : هو غبار الثياب.
وقال بعضهم (٤) : هو الغبار الذي يكون في شعاع الشمس ، وهو الذي يسمى : الذر.
وقال بعضهم قوله : (حِجْراً مَحْجُوراً) أي : عوذا معاذا ، يقول : المجرمون يستعيذون من الملائكة (٥).
__________________
(١) قاله الضحاك ، أخرجه ابن جرير (٢٦٣١٨) ، وعبد بن حميد ، كما في الدر المنثور (٥ / ١٢١) ، وعن مجاهد أخرجه الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، كما في المصدر السابق.
(٢) قاله مجاهد ، أخرجه ابن جرير (٢٦٣٢٤) و (٢٦٣٢٥) ، والفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٥ / ١٢١).
(٣) ثبت في حاشية أ : الرهج : الفساد. شرح.
(٤) قاله عكرمة والحسن ومجاهد ، أخرجه ابن جرير عنهم (٢٦٣٢٦) و (٢٦٣٢٧) ، و (٢٦٣٢٨) ، وانظر : الدر المنثور (٥ / ١٢٢).
(٥) ثبت في حاشية أوالتحجير ـ أيضا ـ : أن تسم حول عين البعير بميسم مستدير. شرح.