وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا وَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (٤٠)
وقوله : (وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً) أي : أرسلنا إلى مدين أخاهم شعيبا ، ومدين : قال بعضهم : اسم رجل نسبوا إليه.
وقال بعضهم : اسم موضع ، وقد ذكرناه فيما تقدم.
وقوله : (وَعاداً وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَساكِنِهِمْ) : أن الرسل ـ صلوات الله عليهم ـ قد خوفوا الكفرة بعذاب ينزل بهم في الآخرة بتكذيبهم إياهم وعنادهم ، فلم ينجع ذلك فيهم ، ولم يرتدعوا عما هم فيه ، حتى أوعدوهم بعذاب ينزل بهم في الدنيا ، فلم ينجع ذلك ولم يمتنعوا عن ذلك ، حتى أوعدوهم بنزول ما قد شاهدوا وعاينوا من آثار من قد أهلكهم بتكذيبهم الرسل وردهم إجابتهم ، وهو ما قال : (وَعاداً وَثَمُودَ) أي : أهلكنا عادا وثمود (وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَساكِنِهِمْ) أي : قد تبين لكم من مساكنهم ما تعرفون أنهم إنما أهلكوا بالذي أنتم عليه ، وهو التكذيب ، والردّ بأخبار تصدّقونها ، وبآثار تشاهدونها ، وهو كما قال : (وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ. وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ) [الصافات : ١٣٨ ، ١٣٩] والله أعلم.
وقوله : (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ) أي : زين لهم الشيطان أعمالهم كما زين لكم ، وصدّهم عن السبيل كما صدكم.
(وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ) اختلف فيه :
قال بعضهم : أي : وكانوا يحسبون أنهم على هدى وحق.
وقال بعضهم : (وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ) أي : كانوا عالمين بأن العذاب ينزل بهم بما شاهدوا وعاينوا من آثار من تقدمهم ، وعلمهم بأنهم إنما أهلكوا بالذي هم عليه ، لكنهم عاندوا.
وقال بعضهم : (وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ) أي : هالكين في الضلالة.
وقال بعضهم : (وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ) أي : كانوا بصراء علماء في أنفسهم ، يعرفون الحق من الباطل ، ليس كغيرهم من الأمم ؛ ألا ترى أنهم قد طلبوا من رسلهم الحجة ، والآية على ما يدعون إليه حيث قالوا : (يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ) [هود : ٥٣] وقال قوم صالح : (فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) [الشعراء : ١٥٤] ونحوه.
وقال قتادة : (١) (مُسْتَبْصِرِينَ) أي : معجبين بضلالتهم.
وقوله : (وَقارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهامانَ) أي : أهلكنا قارون وفرعون وهامان بتكذيبهم
__________________
(١) أخرجه ابن جرير (٢٧٧٦٧) ، وعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، كما في الدر المنثور (٥ / ٢٧٨).