هذه الآية تعريفا للأولى ، وأمّا من لم يتله حق تلاوته فلا يؤمنون به.
والثاني : فالذين آتيناهم الكتاب وانتفعوا به ؛ أي : يؤمنون بالذى أوتوا من الكتاب.
(وَمِنْ هؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ) يحتمل قوله : (وَمِنْ هؤُلاءِ) أي : من أهل مكة من يؤمن به ، وقد آمن كثير منهم.
وجائز أن يكون ذلك إلى قوم كانوا بحضرته ، فقال : (وَمِنْ هؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ) ، والله أعلم.
(وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الْكافِرُونَ) قال قتادة : لا يكون الجحد إلا بعد معرفة أن اليهود والنصارى عرفوه كما عرفوا أبناءهم ، لكنهم جحدوه ، وكل من أنكر شيئا فقد جحده ؛ عرفه أو لم يعرفه.
وقوله : (وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ) تأويله ـ والله أعلم ـ : أي : ما كنت تتلو من قبله ـ أي : من قبل هذا الكتاب ـ من كتاب ، ولو كنت تتلو لارتاب المبطلون فيقولون : إن ما أنبأتهم من الأنباء المتقدمة أو كلام الحكمة إنما تلقفت وأخذت من تلك الكتب المتقدمة أو كتب الحكماء ، ولو كنت تخطه بيمينك يقولون : إن ذلك من تأليفك ووصفك ؛ لأن القرآن حجة عليهم من وجهين :
أحدهما : ما ذكر فيه من الأنباء المتقدمة المترجمة بغير لسان المتقدم ما علموا بأجمعهم أن رسول الله ـ صلوات الله عليه ـ كان لا يعرفها بمترجم ولا شهدها هو ، ثم أنبأهم على ما كان ، فعلموا أنه بالله عرفها.
والثاني : هو آية معجزة نظما ووصفا ما يعملون أنه ليس من نظم البشر ولا وصفه ، فيقول : ما كنت تتلو من قبله كتابا فيه تلك الأنباء والحكمة ولا تخطه بيمينك ؛ فيقولون : هو من تأليفك أو من نظمك ، فلو كنت كذلك إذن لارتاب المبطلون بما ذكرنا على عناد منهم ومكابرة ، ولا يرتاب المحقون ، وإن كان كما ذكر ؛ لما عرفوا صدقه بأشياء وبآيات كانت فيه.
وقال بعضهم في قوله : (وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ) يقول : قبل القرآن (وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ) أي : لا تكتبه بيدك ، ولو كنت تقرأ كتابا من قبله أو كنت تكتب بيدك إذن لارتاب المبطلون ؛ يقول : لا تهموك ؛ هذا قد ذكرناه ، ولكن نقول في قوله : (بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) بل هو اليقين أنك لا تقرؤه ، أو لا تكتبه عند الذين أوتوا العلم ، وهم مؤمنو أهل الكتاب من نحو عبد الله بن سلام وأصحابه.
وقوله : (بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) يحتمل القرآن ؛ إذ فيه آيات