قاهرة تقهرهم وتضطرهم على القبول والإقبال إليه الآيات يكون في ذلك وجه الاختيار ، لكن سؤال عناد ومكابرة ، لا سؤال استرشاد واستهداء فقال : إن الله قد عفا عن هذه الأمة عن إنزال ما به هلاكهم على أثر سؤال العناد والمكابرة ، وإن كان في غيرها من الأمم السالفة ينزل عليهم الهلاك والعذاب على إثر سؤال العناد ، والله أعلم.
وقوله : (وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ) هذا يحتمل وجهين :
أحدهما : وإنما أنا نذير من الله مبين : أن الله أمرني بذلك وأرسلني إليكم.
والثاني : (وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ) أي : ليس عليّ إلا الإنذار لكم أبين النذارة ، فأمّا غير ذلك فليس عليّ ؛ كقوله : (ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ...) الآية [الأنعام : ٥٢] ، ونحوه.
وقوله : (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ) هذا يدل أنهم إنما سألوا سؤال عناد واستهزاء ، لا سؤال استرشاد ؛ حيث قال : إن فيما أنزل عليهم من الكتاب كفاية لمن كانت همته الاسترشاد والإنصاف ، فأما من كانت همته العناد والمكابرة فلا.
(إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً) أي : فيما أنزل من الكتاب عليك لرحمة ، أي : رشد (وَذِكْرى) : عظة (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ).
وقوله : (قُلْ كَفى بِاللهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً) هذا يقال لوجهين :
أحدهما : عند الإياس من قبول الحجج والآيات يقول : (كَفى بِاللهِ شَهِيداً) أي : حاكما (بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) أينا على الحق؟ وأينا على الضلال نحن أو أنتم؟!.
والثاني : (كَفى بِاللهِ شَهِيداً) : عالما في تبليغ ما أمرت بتبليغه إليكم وإتيان ما آتيتكم به من الآيات والحجج (يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ وَكَفَرُوا بِاللهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ).
وقوله : (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ) كأن استعجالهم وسؤالهم الآيات على علم منهم أنّه لا ينزل ولا يأتيهم ـ يخرج مخرج الاستهزاء بالرسل والتمويه والتلبيس على الأتباع والضعفاء ؛ لأنهم يعلمون أن الله لا يعذب ولا يهلك هذه الأمة إهلاك استئصال وانتقام كما أهلك الأمم المتقدمة بالعناد والاستهزاء بالرسل ؛ إذ قد أمهلهم إلى وقت ، فإن علموا ذلك من الإمهال والتأخير سألوا الرسول العذاب الذي أوعدهم والآيات القاهرة ، ووعدوا الإيمان لو جاءهم ، وأقسموا على ذلك بقوله : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ ...) الآية [الأنعام : ١٠٩] ؛ تمويها وتلبيسا على أتباعهم وضعفائهم يرونهم أنهم على حق في