أرض فاخرجوا منها إلى أخرى فاعبدوني ولا تعبدوا غيري ؛ فإن أرضي واسعة ؛ فلا عذر لكم بالمقام في أرض تمنعون فيها عن عبادتي وإظهار ديني ، إلا المستضعفين الذين استثناهم في آية أخرى ؛ حيث قال : (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً) [النساء : ٩٨] عذرهم بما فيهم من الضعف لترك الخروج والمقام بين أظهرهم ، وكتمان الإيمان والعبادة له سرّا ، وإن لم يقدروا على إظهاره ، فأما من كانت له حيلة الخروج فلم يعذره.
وقوله : (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) ذكر هذا ـ والله أعلم ـ على إثر ما ذكر ؛ لئلا يمنعهم عن الخروج والهجرة خوف ضيق العيش ؛ يقول ـ والله أعلم ـ : كل نفس تذوق الموت إذا استوفت رزقها لا محالة ، ولا تذوق قبل استيفائها رزقها ؛ فلا يمنعكم خوف ضيق العيش فإنها تذوق ذلك لا محالة ، خرجت أو لم تخرج إذا استوفت رزقها ، وهو ما قال : (قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ) [آل عمران : ١٥٤] أي : لو كان المكتوب عليه القتل يبرز لا محالة حتى يقتل ؛ فعلى ذلك المكتوب عليه الموت يذوقه لا محالة ، [خرج] أو أقام ، والله أعلم (ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ).
وقوله : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ) أي : لنهيئنهم (مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً) يقال : بوأ : أنزل وهيأ ، و «لنثوينهم» من الثواء ، وهو الإقامة.
وقال القتبي (١) : هو من ثويت بالمقام : إذا أقمت به ، وبالباء (لَنُبَوِّئَنَّهُمْ) : أي : لننزلنهم.
وقال أبو عوسجة : أي : لننزلنهم منها منزلا يقيمون فيه ، والثواء : الإقامة.
وقال أبو معاذ : بوأها : هيأها ، والمثوى : المنزل ، والثاوي : المضيف (خالِدِينَ فِيها نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ) أي : ثوابهم وجزاؤهم.
وقوله : (الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) يحتمل قوله : (الَّذِينَ صَبَرُوا) أي : خرجوا ، وهاجروا ، وصبروا على الهجرة ، وعلى ربهم توكلوا في الخروج والرزق ، والذين صبروا على الطاعات وأداء الفرائض.
أو أن يكون الصبر كناية وعبارة عن الإيمان ؛ أي : الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون وبه يثقون ويفوضون ؛ كقوله : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) أي : لكل مؤمن.
ومحمد بن إسحاق يقول : أنزلت الآية بمكة في ضعفاء مسلمي مكة ؛ يقول : إن كنتم
__________________
(١) ينظر : تفسير غريب القرآن (٣٣٨).