بعد الموت ؛ حيث قال : (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ما خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ ...) الآية.
وفي قوله : (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ) وغيرها من الآيات ما ألزمهم من الآيات أنه لو لم يكن له إعادة وبعث كان خلقهم عبثا باطلا ، خارجا عن الحكمة ، والقدرة في ابتداء الإنشاء ، إن لم تكن أكثر لا تكون دون الإعادة ، فمن ملك وقدر على الابتداء كان على الإعادة أقدر ؛ إذ إعادة الشيء عندكم أهون وأيسر من ابتداء إنشائه ، على ما ذكر في قوله : (وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) [الروم : ٣٧].
وقوله : (ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) ذكر الإعادة والإحياء بعد الموت والرجوع إليه ؛ لما ذكرنا أن المقصود في خلقهم في هذه الدنيا الإعادة والإحياء ؛ لذلك سمى الإعادة : الرجوع إليه والمصير والبروز له ، وإن كانوا في جميع الأحوال صائرين إليه ، راجعين ، بارزين له ، خارجين.
وقوله : (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ) قال بعضهم (١) : الإبلاس : هو الإياس ؛ مبلسون : أي : يائسون في الآخرة عما كانوا يطمعون بعبادتهم تلك الأصنام والأوثان في هذه الدنيا ؛ حيث قالوا : (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) [الزمر : ٣] وقالوا : (هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ) ونحوه ؛ يقول : يائسون في الآخرة عما طمعوا بعبادتهم في الدنيا حين شهدوا عليهم ، وكفروا بهم ، وجعلوا يلعنون عليهم ، ويتبرءون منهم.
وقال بعضهم : يائسون من كل خير.
وقال بعضهم (٢) : الإبلاس : هو الفضيحة أي : يفتضحون بما عملوا.
وقال بعضهم : المبلس : كل منقطع رجاؤه ساكت كالمتحير في أمره.
وقال بعضهم : المبلس : كل آيس حزين.
وقوله ـ تعالى ـ : (وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكائِهِمْ) هو ما ذكرنا : أن الأصنام التي عبدوها وسموها : آلهة لا تشفع لهم (وَكانُوا بِشُرَكائِهِمْ كافِرِينَ) يحتمل هذا وجهين :
أي : الأصنام بهم كافرون.
أو هم يكفرون بالأصنام إذا لم يشفعوا لهم وصاروا شهداء عليهم.
أو كل يكفر بصاحبه ؛ كقوله : (ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ
__________________
(١) قاله ابن عباس بنحوه ، أخرجه ابن أبي حاتم ، كما في الدر المنثور (٥ / ٢٩٣).
(٢) قاله مجاهد ، أخرجه الفريابي وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم ، كما في الدر المنثور (٥ / ٢٩٣).