الميت من الحي ، وليس في الحي موت ، ولكنه يخرج هذا من هذا على ابتداء الحياة فيه ، وابتداء الموت فيه من غير أن كان فيه ما ذكر.
ثم اختلف فيه أهل التأويل :
قال بعضهم (١) : يخرج الناس والدواب والطير من النطف ، (وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ) يعني : النطف (مِنَ الْحَيِ) من الناس والدواب والطير.
وقال بعضهم (٢) : (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ) أي : المسلم من الكافر (وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِ) أي : الكافر من المسلم.
ولكن يجيء على هذا أن يقول : يخرج من المسلم ما يكون كافرا ، ومن الكافر ما يصير مسلما ؛ لأن ما يخرج لا يوصف بالإسلام ، ولا بالكفر ، ولا ينسب إلى واحد منهما وقت الخروج حتى يبلغ فيكون منه فعل الكفر أو فعل الإسلام ، وقد ذكرنا هذا فيما تقدم ، وفي الآيات التي تقدم ذكرها ؛ من نحو قوله : (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ما خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ ...) الآية [الروم : ٨] ، وقوله : (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ ...) الآية [الروم : ٩] ، وأمثال ذلك مما يذكر ويخبر أولئك الكفرة عن قدرته وسلطانه ، وألزمهم ذلك.
وفي الآية نقض قول المعتزلة ؛ لأنهم لا يملكون القدرة على فعل بعوضة ، فلا يكون لهم الاحتجاج على أولئك الكفرة في القدرة على الإعادة والإنشاء بعد ما صاروا رمادا ، أو كلام نحو هذا.
وقوله : (وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ) أي : كذلك تبعثون وتحيون ، كما أخرج الحيّ من الميت والميت من الحيّ ، من غير أن كانت الحياة في الميت والموت في الحي ، والله أعلم.
وقوله : (وَمِنْ آياتِهِ) يحتمل : آيات وحدانيته وربوبيته وحججه ، وآيات بعثه وإحيائه ، وآيات رسالة الرسل ، ونحوه.
وقوله : (أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ) يخرج على وجوه :
أحدها : نسب خلقنا إلى التراب ؛ لأنا إنما خلقنا من أصل ، خلق ذلك الأصل من التراب ، وهو آدم ، وإن لم تكن أنفسنا مخلوقة من تراب حقيقة ، كما نسب خلقنا إلى النطفة وإن لم يخلق أنفسنا كما هي من النطفة ، لكنه أضاف ذلك ونسب إلى النطفة ؛ لما هي أصل ما خلقنا منها.
والثاني : نسبنا إلى التراب ؛ لما جعل أغذيتنا وما به قوام أنفسنا وأبداننا في الخارج من
__________________
(١) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٧٩٢٧) ، وعن ابن مسعود (٢٧٩٢٩).
(٢) قاله الحسن ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٧٩٢٨).