أَخاهُ هارُونَ وَزِيراً) أي : عونا وعضدا ؛ كقوله : (وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي. هارُونَ أَخِي. اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي) [طه : ٢٩ ـ ٣١] ؛ لأنه سأل ربه المعونة له والإشراك في أمره ، وقال : (فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي) [القصص : ٣٤].
وقال الزجاج (١) : الوزير هو الذي يلجأ إليه في النوائب ويعتصم بأمره ؛ وهو واحد.
وقوله : (فَقُلْنَا اذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِيراً) أي : أهلكناهم إهلاكا.
وقوله : (وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْناهُمْ) : جائز أن يكون قوله : (لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ) نوحا خاصة ؛ لأنه ذكر قوم نوح ، فإن كان ذلك ، ففيه دلالة جواز تسمية الواحد باسم الجماعة.
وجائز أن يكون نوح دعاهم إلى الإيمان وتصديق الرسل ، فكذبوه وكذبوا الرسل جميعا ، والله أعلم.
وقوله : (أَغْرَقْناهُمْ) : لم يغرقهم على أثر تكذيبهم إياه ، ولكن إنما أغرقهم بعد ما دعاهم ألف سنة إلا خمسين عاما.
وقوله : (وَجَعَلْناهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً) : يحتمل قوله : (وَجَعَلْناهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً) أي : آية للمكذبين والمصدقين ، لما بين حكمه في المكذبين منهم : الإهلاك والاستئصال ، وفي المصدقين منهم : النجاة والخلاص منه ، فذلك آية لكل مكذب ومصدق ؛ لما إليه يئول عاقبة أمرهم : عاقبة المكذبين : الإهلاك ، وعاقبة المصدقين : النجاة.
فإن قيل : إنهم جميعا قد هلكوا المصدقون منهم والمكذبون ، قيل : أهلك المكذبون منهم إهلاك عقوبة وتعذيب ، والمصدقون هلاكهم بانقضاء آجالهم لا هلاك عقوبة.
ثم ذكر : (وَجَعَلْناهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً) فمعنى جعل أنفسهم آية ما ذكرنا.
وقال في آية أخرى : (وَجَعَلْناها آيَةً لِلْعالَمِينَ) أي : السفينة.
قال بعضهم : جعل السفينة آية ؛ لأن من طبع السفن أنها إذا امتدت الأوقات وطال الزمان أنها تفسد وتتلاشى ، وهي بعد باقية كما هي ـ أعني : سفينة نوح ـ لكن ذلك لا يعلم أنه كما ذكر أو لا ، فالوجه فيه ما ذكرنا.
وقوله : (وَأَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ عَذاباً أَلِيماً) : هكذا جزاء كل ظالم ـ ظلم كفر وشرك ـ أن يعد له العذاب الأليم.
__________________
(١) ينظر : معاني القرآن وإعرابه (٤ / ٦٧).