يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً)(٤٤)
وقوله : (وَإِذا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً) : كانوا إذا رأوه هزءوا به ، إذا خلا بعضهم إلى بعض يقولون فيما بينهم : أبعث الله بشرا رسولا ، هكذا كانت عادة الكفرة يهزءون به إذا حضروه ، وإذا غابوا عنه قالوا ما ذكر.
وقوله : (إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا عَنْ آلِهَتِنا لَوْ لا أَنْ صَبَرْنا عَلَيْها) : في قوله : (كادَ لَيُضِلُّنا عَنْ آلِهَتِنا) دلالة أنه إنما أراد أن يضلهم عن عبادتهم الأصنام بالحجج والآيات ؛ إذ ليس في وسع النبي صرفهم ومنعهم عن ذلك إلا من وجه لزوم الآيات والحجج ، إلا أنهم رفضوا تلك الآيات والحجج ، وكابروها وثبتوا على عبادة الأصنام والأوثان ، وإلا علموا ـ من جهة الآيات والحجج التي أقامها عليهم ـ أنه على الحق ، وأنهم على باطل.
ثم قوله : (وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً) أي : يعلمون حين لا يقدرون على الجحود والإنكار إذا أنزل بهم العذاب ، ووقع : من أضل سبيلا هم أو المؤمنون؟ لأنهم وإن علموا بالآيات والحجج أنه على الحق ، وأنهم على باطل ، وعلموا الموعود من العذاب فأخبر أنهم يعلمون عند وقوعه بهم علما لا يقدرون على جحوده ولا إنكاره ؛ كقوله : (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللهِ) وهذه الآية ، وقوله : (أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ) ، وقوله : (رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً) ، وأمثال ذلك إذا عاينوا الموعود في الدنيا يقرون به لا يقدرون على الجحود ؛ فكذلك قوله : (وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) علما لا يقدرون على الإنكار والجحود (حِينَ يَرَوْنَ الْعَذابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً).
وقوله : (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ) : قال بعضهم (١) : إنهم كانوا يعبدون أشياء حجرا أو غيره ، فإذا رأوا أحسن منه في رأي العين والمنظر ، تركوا عبادة ذاك ، وعبدوا ما هو أحسن منه.
وقال بعضهم (٢) : كلما هوت أنفسهم شيئا عبدوه ، وكلما اشتهوا شيئا أتوه ، لا يحجزهم عن ذلك ورع ولا تقوى لله.
ويحتمل وجهين آخرين سوى [ما] ذكر هؤلاء :
أحدهما : تركوا عبادة الإله الذي قامت الحجج والآيات بألوهيته وربوبيته ، ولزموا
__________________
(١) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن أبي حاتم وابن مردويه عنه ، وعن أبي رجاء العطاردي أخرجه ابن مردويه ، كما في الدر المنثور (٥ / ١٣٢).
(٢) قاله قتادة ، أخرجه عبد بن حميد وابن أبي حاتم عنه ، وعن الحسن أخرجه ابن المنذر وابن أبي شيبة وابن أبي حاتم ، كما في الدر المنثور (٥ / ١٣٢).