يقول : لا تملك شيئا مما ذكر ، على علم منكم أنها لا تملك ذلك ، فيقول : فكيف تشركونها في ألوهيته؟ ثم نزه نفسه وبرأها عن جميع العيوب التي وصفه الملحدون ، فقال :
(سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ).
لأن حرف (سُبْحانَهُ) حرف تنزيه عن جميع العيوب ، والتعالي : هو وصف وتبرئة عن أن يغلبه شيء أو يقهره ؛ هو من العلو ، متعال عن أن يغلبه شيء أو يقهره.
وقوله : (ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ).
هذا يحتمل وجهين :
أحدهما : أن يكون قوله : (ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) ، وهو الشرك والكفر ، (بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ) من الأمور التي كانوا يتعاطون من قطع الطريق ، والسرق ، والظلم ، وأنواع أعمال السوء التي يتعاطونها ، ذلك هو سبب شركهم وكفرهم بالله ، وبذلك كان شركهم وكفرهم ذلك كان يغطي قلوبهم ؛ حتى لا تتجلى قلوبهم للإيمان ؛ كقوله : (كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) [المطففين : ١٤] ، وكقوله : (فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ ...) الآية [التوبة : ٧٧] ونحوه ؛ فإن كان هذا فهو على حقيقة تقديم الأيدي والكسب.
والثاني : أن يكون (ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ) هو القحط وقلة الأمطار والأنزال والضيق ، وقوله : (بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ) هو شركهم وكفرهم وتعاطيهم ما لا يحل ، أي : ذلك القحط والضيق وقلة الأنزال والشدائد لهم ؛ لشركهم وكفرهم وأعمالهم التي اختاروها ، ويكون ذكر كسب الأيدي على المجاز لا على الحقيقة ؛ ولكن لما باليد يكتسب وباليد يقدم ، ذكر اليد ؛ كقوله : (ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ) [الحج : ١٠] ، ولعله لم يقدم شيئا ، لكنه ذكر أنه ظهر الشرك والكفر بحقيقة كسب الأيدى من أعمال السوء التي ذكرنا ، ذلك كان يمنعهم عن الإيمان وكشف الغطاء عن قلوبهم.
وفي التأويل الآخر : الفساد الذي ظهر هو القحط وقلة الأمطار والأنزال والضيق ؛ (بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ) : هو الشرك والكفر وتعاطي ما لا يحل ، لا على حقيقة كسب الأيدي ؛ ولكن لما ذكرنا.
ثم اختلف في قوله : (فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) : قال بعضهم (١) : البر : هو المفاوز التي لا ماء فيها ، والبحر : القرى والأمصار.
__________________
(١) قاله عكرمة ، أخرجه ابن جرير (٢٧٩٩٨) و (٢٧٩٩٩) ، والفريابي وابن المنذر وابن أبي حاتم من طرق عنه ، كما في الدر المنثور (٥ / ٣٠١).