وفيه أن الرسل الذين كانوا من قبل كانوا من البشر ؛ فكيف تنكرون رسالة محمد إذ كان من البشر.
وفيه : [أنه] قد أتى قومه بالبينات كما أتى أولئك الرسل قومهم بالبينات.
وقوله : (وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ).
هو يخرج على وجهين :
أحدهما : أي : كان حقّا علينا جعل العاقبة للمؤمنين ، لا أن يكون عليه حقّا نصر المؤمنين في الدنيا ؛ ولكن جعل العاقبة للمؤمنين حقّا ؛ كقوله : (وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) [الأعراف : ١٢٨].
والثاني : كان حقّا علينا نصر المؤمنين بالحجج التي أعطاهم ، أي : كان حقا إعطاء الحجج لهم والنصر والمعونة بالحجج ، أي : إعطاء الحجج لهم.
وقال بعضهم (١) : نصره إياهم : أنه أنجاهم مع الرسل ، وأهلك أولئك ، والله أعلم.
وقوله : (اللهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً).
كأنه يخبر عن قدرته وسلطانه ؛ حيث أنشأ الرياح بحيث يجمع السحاب ويفرقه ، ويبسطه ويجعله قطعا : يمطر في مكان ، ولا يمطر في مكان ، يقول ـ والله أعلم ـ : إن من قدر أن يسلط الرياح في جمع السحاب ، وتفريقه ـ يملك تسليط الرياح على تعذيبكم ، ويقول : إن المعبود المستحق للعبادة هو الذي يرسل الرياح لما ذكر والأمطار ، لا الأصنام التي تعبدون ؛ إذ تعلمون أنها لا تملك شيئا مما ذكر.
أو يذكر نعمه التي عليهم ؛ ليتأدى بها شكرها ، أو يطمعهم إيمان بعض منهم بعد ما كانوا آيسين عن إيمانهم ، كما أطمعهم المطر والسعة بعد ما قحطوا وكانوا آيسين عنه ؛ ألا ترى أنه قال : (فَإِذا أَصابَ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ. وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ).
قال أبو عوسجة : (فَتُثِيرُ سَحاباً) ، أي : ترفعه.
وقال أبو عبيدة (٢) : تجمعه ؛ كما يستثير الرجل العلم فيجمعه.
وقوله : (وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً).
قال بعضهم (٣) : قطعا قطعا.
وقال بعضهم : يضم بعضه إلى بعض ، ويحمل بعضه على بعض.
وقوله : (فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ).
__________________
(١) قاله البغوي (٣ / ٤٨٦).
(٢) وقاله أيضا قتادة ، أخرجه ابن جرير (٢٨٠٢٢) ، وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٥ / ٣٠٣).
(٣) قاله قتادة ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٨٠٢٣) و (٢٨٠٢٤).