ومن بشارتها : ما تلقح الأشجار والنخيل ، وتشق الأرض وينبت النبات منها ، وتجمع السحاب وتأتي بالمطر ، وتجري بهم السفن والفلك في البحار في الماء الراكد والفلك لو لا الريح ، فذلك كله من البشارة وأنواع المنافع التي جعل فيها ، يعلم كل بالأعلام والآثار أنها نافعة أو ضارة مهلكة ؛ ثم سماها : مبشرات ؛ ليعلم أن البشارة قد تكون بدون النطق والكلام : من نحو الكتاب والإشارة أو الرسالة ؛ إذ ليس للريح نطق ولا كلام ، ثم سماها : مبشرة ، والله أعلم.
وقوله : (وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ).
هذا يدل أن هذه البشارة والمنافع التي جعل لهم كان من رحمته وفضلا ، لا استيجابا ولا استحقاقا ، وسمى ذلك كله : رحمة ؛ لأنه برحمته يكون ، والله أعلم.
وقوله : (وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ).
قوله : (بِأَمْرِهِ) يحتمل بتدبيره ، أي : بتدبيره تجري السفن في البحار ، على ما ذكرنا.
أو أن يريد بأمره : تكوينه ، كقوله : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [النحل : ٤٠] ، وكقوله : (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [النحل : ٤٠].
وقوله : (وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ).
هذا يدل على أن ما يصل إليهم من المنافع إنما يصل من فضله ورحمته ، لا يصل إليهم بتلك الأسباب والمكاسب ؛ لئلا يروا ذلك من تلك الأسباب ، ولكن يرون ذلك من فضل الله ورحمته.
وقوله : (وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).
أي : لكي يلزمهم الشكر لله على ذلك كله ، والله أعلم.
وقوله : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلاً إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَانْتَقَمْنا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا).
في هذه الآية يصبر رسول الله على أذى الكفرة ؛ حيث قال : (أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلاً إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ).
وفيه أيضا بشارة للمؤمنين ، ونذارة لأولئك الكفرة.
أما النذارة لهم فقوله : (فَانْتَقَمْنا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا) ، أخبر أن أولئك لما كذبوا الرسل ، وعاملوهم بما تعاملون أنتم يأهل مكة رسول الله ؛ فانتقمنا منهم جزاء معاملتهم ؛ فعلى ذلك ينتقم منكم كما انتقم من أولئك.
وأما البشارة للمؤمنين فقوله : (وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) ، أخبر أن عاقبة الأمور تكون للمؤمنين.