حجة.
وأصله ما ذكرنا : (يُجادِلُ فِي اللهِ) من الوجوه التي ذكرنا : (بِغَيْرِ عِلْمٍ) من جهة العقل ، (وَلا هُدىً) أي : ولا بيان من جهة السنة ، (وَلا كِتابٍ) من الله فيه حجة له ، وأسباب العلم هذه ، فلم يكن له شيء مما ذكر ، وبالله العصمة.
قال أبو عوسجة : المرح : النشاط ، وهذا لا يكون إلا من الكبر ؛ لأنه يتبختر ، (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ) ، أي : امش مشيا رفيقا ، (وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ) أي : ارفق لا تصوت صوتا شديدا ، وهذا ـ أيضا ـ من التبختر ، (وَأَسْبَغَ) ، أي : أوسع ، والسابغ : الواسع التام الطويل العريض.
وقال القتبي (١) : الأصعر : معرض الوجه ، [و] أنكر الأصوات : أقبحها ، عرفه قبح رفع الصوت في المخاطبة.
وقوله : (وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللهِ).
يحتمل قوله : (وَجْهَهُ) ، أي : نفسه ؛ كأنه قال : ومن يسلم نفسه لله ، وجعلها سالمة له لم يجعل لأحد فيها شركا.
(وَهُوَ مُحْسِنٌ).
في عمله إلى نفسه ، أي : لا يستعملها إلا في طاعة الله ، وفيما أمر به ، فإذا فعل ذلك ، (فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى) ، أي : فقد استمسك بأوثق العرا وأثبتها ؛ على ما ذكر في آية أخرى : (لَا انْفِصامَ لَها) [البقرة : ٢٥٦] ، أي : فقد استمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها ولا انقطاع ولا زوال ؛ لأنها ثبتت بالحجج والبراهين ، لا بالهوى ؛ فكل شيء ثبت بالحجة والبرهان ـ فهو ثابت ـ أبدا لا زوال له ولا انقطاع ، وكل شيء ثبت بالهوى ؛ فهو يزول وينقطع عن قريب ؛ لزوال الهوى.
وجائز أن يكون قوله : (وَجْهَهُ إِلَى اللهِ) ، أي : يسلم وجه أمره لله ؛ فالوجه عبارة وكناية عن أمره ، أي : يسلم أمره إلى الله ويفوضه إليه.
أو يكون كناية عن نفسه ؛ فتأويله ما ذكر بدءا. وأهل التأويل يقولون : (يُسْلِمْ وَجْهَهُ) ، أي : دينه لله ، أي : يخلص دينه لله ، كقوله : (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها) أي : لكل أهل دين ومذهب ، والله أعلم.
وقوله : (وَهُوَ مُحْسِنٌ) يحتمل وجوها :
__________________
(١) انظر : تفسير غريب القرآن ص (٣٤٤).