وقال في آية أخرى : (أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ) [البقرة : ١٧٠] ، وقال في آية أخرى : (إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ) [الزخرف : ٢٣] ؛ كأنه يقول لرسول الله : أن قل لهم : تتبعون آباءكم وتقلدونهم ، وإن ظهر لكم وتبين أن الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير ، وأنهم من أصحاب السعير ، وتتبعون آثارهم مقتدين بهم وإن ظهر لكم وتبين أن الذي أدعوكم أنا إليه وجئتكم أهدى مما عليه آباؤكم ؛ إذ تتبعون آباءكم وإن ظهر وتبين أن آباءكم كانوا لا يعقلون شيئا ولا يهتدون؟!
حتى إن قالوا : نعم ، نتبعهم وإن كانوا كما ذكرت ـ فإنه يظهر ويبين عنادهم ومكابرتهم عند اتباعهم ؛ حيث ظهر الحق لهم فلم يتبعوا ، بل اتبعوا أهواءهم ويظهر كذبهم في قولهم : (وَاللهُ أَمَرَنا بِها) [الأعراف : ٢٨] ، أو في قولهم : إن آباءهم على ما هم عليه ؛ بل في آبائهم من هو على خلاف ما هم عليه ونحوه.
وإن قالوا : لا نتبعهم إذا كانوا على ما ذكرت ؛ فعند ذلك يقترن ويثبت عندهم بالحجج والبرهان.
وفيه دلالة : أن أهل الفترة يعذبون ويؤاخذون بتركهم الدين والشرائع ؛ لأن هؤلاء الذين أخبر أنهم من أصحاب السعير هم أهل الفترة ما بين عيسى وبين محمد.
وأهل التأويل يقولون : أو [لو] كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير.
ومحمد بن إسحاق يقول : (وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ) ، أي : لا تعرض بوجهك عن فقراء الناس ، أي : إذا كلموك و (مَرَحاً) ، أي : فخرا بالخيلاء والعظمة ، (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ) ، أي : بطر ومرح ، فخور في نعم الله لا يأخذ بالشكر ، (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ) : رويدا ، لا تختل في مشيك ولا تنظر حيث لا يحل ، (وَاغْضُضْ) ، أي : اخفض (مِنْ صَوْتِكَ) ، أي : من كلامك ، يأمر لقمان ابنه بالاقتصاد في المشي والمنطق ، ثم ضرب للصوت الرفيع مثلا فقال : (إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) لشدة صوتهم.
وقوله : (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ) : يعني : الشمس والقمر والنجوم والسحاب والرياح ، (وَما فِي الْأَرْضِ) ، أي : الجبال والأنهار والبحار فيها السفن والأشجار والنبت عاما بعام ، (وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً) : تسوية الخلق والرزق والإسلام ، (وَباطِنَةً) ، أي : ما ستر من الذنوب من ابن آدم فلم يعلم بها أحد ولم يعاقب فيها ، فهذا كله من النعم ؛ فالحمد لله على ذلك حمدا كثيرا كما أصله.
وقال في قوله : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ) : في زعمه أن لله البنات ، أي : الملائكة ، (وَلا هُدىً) ، أي : لا بيان معه من الله بما يقول ، (وَلا كِتابٍ) : له فيه