ضللنا ـ بالضاد ـ : وهو من ضل اللحم ، أي : أنتن.
وقوله : (وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ).
يقول ـ والله أعلم ـ : لو ترى ـ يا محمد ـ ما نزل بالمجرمين يومئذ من العذاب ، وما هم فيه من الحال الشديدة والهوان ؛ بالتكذيب الذي كان منهم وإساءتهم إليك ـ لرحمتهم ولم تتكلف مكافأة إساءتهم وتكذيبهم ؛ لعظم ما نزل [بهم] من العذاب والشدائد.
(ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) ؛ ندامة وحسرة وحزنا على ما كان منهم ، على مثل هذا يخرج التأويل ؛ وإلا ليس في ظاهر الآية جواب قوله : (وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) ؛ فجوابه ما ذكرنا ، أو نحوه ، والله أعلم.
وقوله : (رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا).
هذا يخرج على وجهين :
أحدهما : قوله : (أَبْصَرْنا) : بالحجج والبراهين عيانا بعد ما كنا أبصرناها في الأولى بالدلالة ، (وَسَمِعْنا) ، أي : قبلنا وأجبنا ؛ (فَارْجِعْنا) إلى الأولى أو المحنة ، (نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ).
والثاني : ربنا أبصرنا صدق الرسل ، وأيقنا بما وعدنا في الدنيا وسمعنا سماع إيقان وعيان ، فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون ، والله أعلم.
وقوله : (وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها).
أي : لو شئنا لآتينا كل نفس ما عندنا من اللطف : الذي لو كان منهم الاختيار لذلك لاهتدوا ، لكن لم نعطهم ذلك اللطف ؛ لما لم نعلم منهم كون ذلك الاختيار.
وعلى قول المعتزلة : شاء أن يعطي كل نفس ما به اهتدت ، وقد أعطاها لكنها لم تهتد ؛ فقولهم مخالف للآية ؛ لأنهم يقولون : شاء أن تهتدي كل نفس ، وآتى كل نفس ما به تهتدي ، لكنها لم تهتد ، ولكنهم يقولون : المشيئة ـ هاهنا ـ مشيئة الجبر والقسر.
فيقال لهم : زعمتم أنه قد شاء أن يهتدوا ، وآتاهم ما به يهتدون فلم يهتدوا ولم تنفذ مشيئته ؛ فأنى يقدر ويملك أن يشاء مشيئة تقهرهم وتجبرهم حتى يهتدوا؟! وكيف يؤمن على ذلك؟! فذلك بعيد على قولكم ؛ فيقال لهم ـ أيضا ـ : إن الإيمان والتوحيد في حال القهر والقسر لا يكون إيمانا ؛ لأن القهر والجبر يرفع الفعل عن فاعله ويحوله عنه ، فكيف تأويلكم على هذا؟!
وقوله : (وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ).
أي : لكن وجب القول مني بما علمت أنه يكون منهم ويحدث ما يستوجبون به جهنم ،