ما جعل في خلقة كل أحد شهادة وحدانيته وألوهيته قبل ذلك إنما يدرك بالنظر والتفكر ، وأما فيما ذكر يدرك بالبديهة ، والله أعلم.
وقوله : (وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا).
أي : قادة في الخير : يحتمل قوله : (يَهْدُونَ بِأَمْرِنا) أي : يدعون الناس بما أمرهم ، وهو التوحيد ، أو (يَهْدُونَ) ، أي : يبينون لهم بالذي أمرنا : ما لهم وما عليهم.
وقوله : (لَمَّا صَبَرُوا) :
قال بعضهم (١) : أي : بما صبروا على البلاء وتعذيب فرعون إياهم وأذاه إياهم ، أي : آمنوا ودعوا غيرهم إلى ذلك على الخوف ، كقوله : (فَما آمَنَ لِمُوسى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ ...) الآية [يونس : ٨٣].
وقال بعضهم : (٢) (لَمَّا صَبَرُوا) على الطاعات. وقد قرئ : (لَمَّا صَبَرُوا) : بالتشديد ، ومعناه ـ والله أعلم ـ أي : بما يهدون ؛ لما كان منهم الصبر على ذلك ، أي : بالصبر الذي كان منهم هدوا أولئك.
وقوله : (وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ).
أنها من الله ، وأنها آياته.
وقال بعضهم : (٣) (لَمَّا صَبَرُوا) ، أي : لم يركنوا إلى الدنيا ، ولا اشتغلوا بها ، ولكن صبروا على أمره ؛ إذ كلفوا ، والله أعلم.
وقوله : (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ).
إن أهل الأديان جميعا ، والمذاهب على اختلاف أديانهم ومذاهبهم اتفقوا أن الدين الذي جاء من الله واحد ، وأن الدين الذي أمر الله أن يدينوا به واحد ، لكن كلا منهم ادّعى أن الذي هو عليه دين الله ، وأن الأمر به من الله وقع على ما يدين هو به ، وغيره على باطل على غير دين الله الذي أمر بالديانة به ، وكذلك قالوا : (وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً ...) الآية [الأعراف : ٢٨] ، فأخبر أنه يفصل بينهم ويبيّن الدّين الذي أمر أن يدينوا به في الدنيا بيان الاحتجاج عليهم ؛ وإلا قد أبان لهم وأظهر الدّين الذي أمرهم أن يدينوا به بالحجج والآيات ، وعرفوا ذلك ، لكنهم كابروا وعاندوا ، وكتموا ذلك ولبسوا على الناس والأتباع ؛ فيبين ما كتموا في الدنيا ولبسوا في الآخرة ، فيظهر عنادهم ومكابرتهم ؛ احتجاجا عليهم ،
__________________
(١) انظر : تفسير البغوي (٣ / ٥٠٣).
(٢) انظر : تفسير ابن جرير (١٠ / ٢٥٠).
(٣) انظر : تفسير ابن جرير (١٠ / ٢٥٠).