وقال بعضهم (١) : إن أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم كانوا يتذاكرون ـ وهم بمكة ـ فتح مكة لهم ؛ فكان ناس من أهل مكة إذا سمعوا ذلك منهم هزءوا بهم وسخروا ويقولون لهم : متى فتحكم الذي تزعمون؟ فنزل : (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْفَتْحُ) يا أصحاب محمد ، (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) أنها تفتح عليكم.
لكن هذا بعيد ؛ لأنه يقول على أثره : (قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ) ، ولو كان فتح مكة ، لكان ينفعهم إيمانهم ، ولهم نظرة وإنظار ؛ دل أنه يبعد صرفه إلى فتح مكة ، والأول أشبه أن يكون ؛ لما ذكر من ترك قبول الإيمان والإنظار ، وفي الدنيا يقبل ذلك كله ؛ فظهر أن الأول أشبه : كان السؤال عن الساعة أو عن المحاكمة ، إلا أن يثبت ما ذكر في الخبر : أنه لما فتح مكة أقام النبي صلىاللهعليهوسلم وأصحابه ذلك اليوم وانهزم المشركون ؛ فخرجوا من مكة ، وأقام من أقام بها ؛ فأمنه النبي صلىاللهعليهوسلم فأدلج خالد بن الوليد تلك الليلة دلجة في سبعمائة رجل ومعه أبو قتادة الأنصاري ، فأسروا في أسفل مكة حتى سقطوا من وراء الحرم ، فوجدوا الذين كانوا يهزءون بأصحاب محمد ، ويقولون : متى فتحكم هذا؟ فوق جبل قد تحصنوا فيه ، فلما رأوا خالد بن الوليد قالوا : هذا خالد بن الوليد وإحنته ، وقد كان بينه وبينهم في الجاهلية إحنة ، فقال لهم خالد بن الوليد : ما لكم؟ قالوا : قد أسلمنا ، قال : إن كنتم قد أسلمتم فانزلوا ، فنظر بعضهم إلى بعض ، فقال رجل منهم : أطيعوني ولا تنزلوا إليه ؛ فو الله لئن نزلتم إليه ليهلكنكم ، إنه لخالد بن الوليد وإحنته ، قالوا : والله ما علينا سبيل ؛ لقد أسلمنا ، ثم نزلوا ووضع عليهم خالد بن الوليد السلاح ، واعتزل أبو قتادة ، فقال : معاذ الله أن أعين على شيء مما هاهنا ، فبلغ ذلك النبي ؛ فبعث إليهم على بن أبي طالب بالدية من غنائم خيبر ، فوداهم إليه بالدية حتى بعث إليهم بردعة الخيل حين راعوهم ، ومساقي الكلاب كانوا كسروها فوداهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم كل شيء لهم ، فذلك قوله : (قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ).
(فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ) يا محمد إلى مدة لهم ، (وَانْتَظِرْ) ، بهم العذاب ، أي : القتل وهلاكهم (إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ) هلاككم.
وقال بعضهم : (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ) : إلى ذلك اليوم ، (وَانْتَظِرْ) : بهم فتح مكة ، (إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ) : هلاكك.
أو أن يكون قوله : (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ) ، أي : لا تكافئهم لأذاهم إياك ، (وَانْتَظِرْ) : مكافأتنا إياهم ، (إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ) : ذلك ، والله أعلم بالصواب.
__________________
(١) قاله الطيبي كما في تفسير البغوي (٣ / ٥٠٤).