وإن كان على الأول : فالنهي عن اتباع ما طلبوا منه من رفض آلهتهم والعبادة لها.
وبعضهم يقولون : إن أهل مكة نحو : شيبة بن ربيعة وهؤلاء قالوا له : إنا نعطيك يا محمد كذا كذا من المال ، ونزوجك كذا كذا امرأة كثيرة المال ؛ فارفضنا وآلهتنا ؛ وإلا قتلك المنافقون : فلان وفلان ، عدّوا نفرا ؛ فأنزل الله ـ تعالى ـ الآية (١) في ذلك بالنهي عن اتباع ما طلبوا منه ودعوه إليه ، وأمره بالتوكل على الله في ترك الاتباع لهم.
وأصله ما ذكرنا : أن النهي ـ وإن كان له خاصة ـ فيما ذكر فهو ـ وإن كان معصوما ـ فالعصمة لا تمنع الأمر والنهي ؛ بل العصمة إنما تنفع إذا كان ثمة نهي وأمر ؛ إذ لو لا النهي والأمر لكان لا معنى للعصمة ولا منفعة لها ، والله أعلم.
وقوله : (اتَّقِ اللهَ) : في ترك تبليغ الرسالة إليهم ، (وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ) في اتباع ما دعوك إليه وطلبوا منك ، أو في غيره.
(إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً).
(عَلِيماً) بما كان ويكون منهم ، أي : على علم بما يكون منهم من التكذيب والردّ عليك بعثك ، لا على جهل ، (حَكِيماً) : في ذلك ، أي : بعثه إياك إليهم ، على علم بما يكون منهم من التكذيب والرد ، لا يخرجه عن الحكمة ، ليس كملوك الأرض : إذا أرسل بعضهم إلى بعض رسالات وهدايا ، على علم من المرسل أن المبعوث إليه يرد الرسالة والهدية يكون سفها ؛ لأنهم يبعثون ويرسلون لحاجة أنفسهم ، أعني : أنفس المرسلين ، فإذا أرسلوا على علم منهم بالردّ والتكذيب كان ذلك سفها خارجا عن الحكمة.
فأما الله ـ سبحانه ـ إنما يرسل الرسل ويبعثهم لمنفعة أنفسهم وحاجتهم ، فعلمه بالرد والتكذيب لا يخرجه عن الحكمة.
وقوله ـ تعالى ـ : (وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ).
هذا يحتمل الخصوص له على ما ذكرنا ، ويحتمل العموم على ما ذكرنا في آية أخرى : (اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) يدل على ذلك قوله : (إِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً) : خاطب به الكل ـ والله أعلم ـ وهو ما ذكرنا أنه على علم بما يكون منهم من التكذيب والردّ.
وقوله : (وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ).
أي : اعتمد على الله في تبليغ الرسالة ، ولا تخف أذاهم.
__________________
(١) أخرجه ابن جرير من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس كما في الدر المنثور (٥ / ٣٤٧).