يقول : إن نفسا تأمرني بكذا ونفسا تأمرني بكذا ؛ فنزل ذلك (١).
والحكمة فيما لم يجعل لواحد قلبين ، وجعل له سمعين وبصرين ؛ لأن الإدراك بالسمع والبصر إنما يكون بالمشاهدة ، فيخرج ذلك مخرج معاونة بعضهم بعضا ، وما يدرك بالقلب إنما يدرك بالاجتهاد ، وقد يختلف القلبان فيما يجتهدان في شيء ، فيناقض أحدهما صاحبه ؛ إذ يجوز أن يرى أحدهما خلاف ما يراه الآخر ، وأما السمعان والبصران لا يكون كذلك.
وقوله : (ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ) : جائز أن يكون سبب ذلك ما ذكر من ادعاء مسيلمة الكذاب الرسالة لنفسه وتواطؤ أصحابه على ذلك ، يقول ـ والله أعلم ـ : ما جعل الله أن يرسل رجلين رسولا إلى خلقه مختلفي الدينين متضادّي الشرائع ، يدعو كل واحد إلى دين غير الآخر ، وإلى شريعة يضادّ بعضها بعضا : محمدا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ومسيلمة الكذاب.
وقوله : (وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللَّائِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ) : يحتمل هذا وجهين :
أحدهما : على النهي الذي ذكرنا ، أي : لا تشبهوا أزواجكم بظهور الأمهات ، ولا تحرموهن على أنفسكم كحرمة الأمهات ؛ ولذلك قال : (وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً) [المجادلة : ٢].
والثاني : أن لم يجعل الله لكم أزواجكم حراما أبدا كالأمهات ، وإن جعلتم أنتم ؛ ولكن جعلهن لكم بحيث تصلون إليهن بالاستمتاع على ما تصلون إليهن وتستمتعون بهن ، بعد هذا القول ؛ يذكر هذا على المنة والنعمة ؛ ليتأدى به شكره ؛ لما أبقى لهم الاستمتاع بهن بعد هذا ، ولم يجعلهن لهم كالأمهات ، على ما ذكر ، والله أعلم.
وقوله : (وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ) ، أي : ما جعل أدعياءكم أبناءكم في الحقوق إلى الآباء ، وهو ما ذكر في بعض القصة : أنه إذا ادعى الرجل منهم ورثة منهم مع أولاده ـ وهو شيء كانوا يفعلونه في الجاهلية ـ دعي إليه ونسب ، يقول ـ والله أعلم ـ : ما جعل ما كنتم تدعون الأبناء في الجاهلية للعون والنصرة أبناءكم في الإسلام فيما جعلوا.
والثاني : ما جعل أدعياءكم أبناءكم في حق النسبة ، كما ذكر أنهم كانوا يقولون لزيد بن حارثة : زيد بن محمد.
(ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ) :
__________________
(١) أخرجه ابن جرير (٢٨٣٢٢) ، وابن أبي حاتم ، كما في الدر المنثور (٥ / ٣٤٧).