لغير أبيه ، وأنت ترى أنه كذلك.
(وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ).
يقول : لا تدعوه لغير أبيه متعمدا ، فأما الخطأ فإن الله يقول : لا يؤاخذكم به ، ولكن ما أردتم به العمد ، وهو مثل الأول.
وذكر أن عمر ـ رضي الله عنه ـ سمع رجلا يقول : اللهم اغفر لي خطاي ؛ فقال له عمر : «استغفر الله العمد ؛ فأمّا الخطأ فقد تجوز لك عنه» ، وكان يقول : «ما أخاف عليكم الخطأ ؛ ولكن أخاف عليكم العمد ، وما أخاف عليكم العائلة ؛ ولكن أخاف عليكم التكاثر ، وما أخاف عليكم أن تزدروا أعمالكم ؛ ولكن أخاف عليكم أن تستكثروها». وذكر أن ثلاثا لا يملك عليها ابن آدم : الخطأ والنسيان والاستكراه ، وكذلك روي عن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ أنه قال ذلك.
وقال بعضهم : الخطأ ـ هاهنا ـ هو ما جرى على اللسان من غير قصد ، والعمد ما يجري على قصد ، وهو ما ذكرنا ، والله أعلم.
(وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً).
لما فعلوا.
وقوله : (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ).
قال بعضهم (١) : النبي أولى بهم من بعضهم ببعض ؛ كقوله : (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) [النساء : ٢٩] ، أي : لا يقتل بعضكم بعضا ؛ إذ لا أحد يقتل نفسه ، (فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ) [النور : ٦١] ، أي : يسلم بعضكم على بعض ، ليس أنه يسلم الرجل على نفسه ؛ ولكن ما ذكرنا ؛ فعلى ذلك قوله : (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) ، أي : بعضهم من بعض.
ثم يحتمل هو أولى بهم من أنفسهم من الطاعة له والاحترام له والتعظيم ، أي : هو أولى أن يعظم ويحترم ويطاع من غيره.
أو أن يكون أولى بهم في الرحمة والشفقة لهم ، أي : أرحم بهم وأشفق من أنفسهم ، وهو على ما وصفه من الرحمة والرأفة ؛ حيث قال : (عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) [التوبة : ١٢٨] وليس أحد من الناس يعز عليه ما يفعله من المآثم.
أو أن يجوز أولى بهم : ، أي : أحبّ إليهم من أنفسهم وأولادهم ، محبة الاختيار والإيثار ، ليست محبّة الميل : ميل القلب ؛ لأن ميل القلب يكون بالطبع.
__________________
(١) انظر : تفسير البغوي (٣ / ٥٠٧).