وذكر في الخبر أن نبيّ الله صلىاللهعليهوسلم قال : «ليس بمؤمن حتى أكون أنا أحبّ إليه من نفسه وولده وأهله» (١) أو كلام نحو هذا.
أو أن يكون (أَوْلى بِهِما) [النساء : ١٣٥] في الآخرة بالشفاعة لهم ، يشفع فينجون من النار به لا بأعمالهم ، والله أعلم. وذكر في بعض الحروف : النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهو أب لهم وأزواجه أمهاتهم : وهو حرف أبي وابن مسعود وابن عباس (٢) ، رضي الله عنهم.
قوله : وهو أب لهم في الرحمة والشفقة ، أو فيما يلزم من الطاعة والتعظيم والاحترام ونحوه.
وقوله : (وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ).
قال أهل التأويل : (٣) (وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ) : في الحرمة ؛ أي : لا يحل لهم أن يتزوجوهن أبدا كالأمهات ، ولكن يجب أن يكون ذلك بعد وفاته ، فأمّا في حياته إذا طلقهن فيجب أن يحللن لغيره ؛ لأنه قال : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا ...) الآية [الأحزاب : ٢٨] ، ولو لم يحللن لغيره ، لم يكن لما ذكر لهن من التمتيع والتسريح معنى ، وهذه الحرمة يجب أن تكون بعد الموت ، وهو ما قال : (وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً) : إنما شرط هذا بعده ؛ ليكن أزواجه في الآخرة.
أو أن يكون قوله : (وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ) ، أي : حرمة أزواجه من بعده ومنزلتهن كمنزلة أمهاتهم ؛ يستوجبن ذلك لحرمة رسول الله ومنزلته قبلهم.
وأما الباطنية فإنهم يقولون : في قوله : (وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ) دلالة أنه ليس يريد به أزواج النبي ؛ ألا ترى أنه يحل للناس نكاح أولادهن ، ولو كن أمهات لم تحل ؛ لأنهم يصيرون إخوة وأخوات ؛ فإذا حلّ ذلك دل أنه ما ذكرنا ، هذا قولهم.
لكن الجواب لذلك ما ذكرنا : أنه جائز أنه سمّاهن : أمهات ، أي : منزلتهن وحرمتهن كمنزلة الأمهات ؛ لحرمة رسول الله ومنزلته ؛ وذلك جائز لأنه ذكر الشهداء أحياء عنده ، وإن كانوا في الحقيقة موتى ؛ لفضل الكرامة لهم والمنزلة عند الله ، فعلى ذلك ذكر
__________________
(١) أخرجه البخاري (١ / ٧٤ ، ٧٥) ، كتاب الإيمان : باب حب الرسول صلىاللهعليهوسلم من الإيمان (١٥) ، ومسلم (١ / ٦٧) ، كتاب الإيمان : باب وجوب محبة رسول الله صلىاللهعليهوسلم (٦٩ / ٤٤) ، والنسائي (٨ / ١١٤) ، كتاب الإيمان : باب علامة الإيمان ، وابن ماجه (١ / ٩١) ، في المقدمة باب في الإيمان (٦٧).
(٢) أخرج قراءته : الفريابي وابن مردويه والحاكم والبيهقي في سننه ، كما في الدر المنثور (٥ / ٣٥١) ، وهي قراءة عمر بن الخطاب ومجاهد والحسن وقتادة وغيرهم.
(٣) قاله قتادة ، أخرجه ابن أبي حاتم عنه كما في الدر المنثور (٥ / ٣٥١).