وفيه وجوه من الدلالة :
أحدها : إباحة طلب الدنيا وزينتها من وجه يحل ويجمل ، حيث قال : (فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلاً) ؛ لأنه لو لم يكن يحل ذلك لهن ، وكن منهيات عن ذلك ، لكان رسول الله لا يفارقهن ؛ حتى لا يخترن المنهي من الأمر ، وقد كان يملك حبسهن في ملكه ؛ حتى لا يخترن ما ذكره من المنهي ؛ دل ذلك ـ والله أعلم ـ أن ذلك كان على وجه يحل ويجمل.
وفيه أن رسول الله لم يكن عنده ما ذكر من الدنيا والزينة وما يستمتع بها ؛ إذ لو كان عنده ذلك ، لم يحتمل أن يخيرهن بالفراق منه لما ذكر وعنده ذلك ، ولا هن يخترن الفراق منه وعنده ذلك ؛ دل أنه لم يكن عنده ما ذكر ، ويبطل قول من يقول : إنه كان عنده الدنيا ويفضل الغناء على الفقر بذلك.
وفيه دلالة : أن أزواجه كن يحللن لغيره في حياته إذا فارقنه ؛ لأنهن إذا لم يحللن لغيره لم يكن لقوله : (فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلاً) معنى ؛ لأنهن إذا لم يحللن لغيره ، وعندهن ما ذكر من الدنيا ، يحملهن ذلك على الفجور ؛ فدل أنهن كن يحللن لغيره في حياته إذا فارقهن ، وإنما لم يحللن لغيره إذا مات ؛ فيكون له حكم الحياة كأنه حيّ في حق أزواجه.
ويخرج قوله : (خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) : في الآخرة لا تحل لغيره ؛ فتكون زوجته في الجنة.
ثمّ اختلف الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ فيمن خير امرأته فاختارت :
قال بعضهم : إذا خيرها فهو تطليقة رجعية ، وإذا اختارت فهي بائنة ، وهو قول عليّ.
وقال بعضهم : إذا اختارت نفسها فهي ثلاث ، وإذا اختارت زوجها فلا شيء.
وقال بعضهم : إذا اختارت زوجها ، فهي تطليقة رجعية ، وإن اختارت نفسها فهي تطليقة بائنة.
وعندنا : أن التخيير نفسه لا يكون طلاقا ، فإن اختارت زوجها ، لا شيء ، وإذا اختارت نفسها ؛ فهى بائن.
أما قولنا : إذا اختارت زوجها لا شيء ؛ لما روي عن عائشة قالت : «خيرنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم فاخترناه» (١) فلم يعد ذلك طلاقا.
__________________
(١) أخرجه البخاري (١٠ / ٤٦١) ، كتاب الطلاق : باب من خير أزواجه (٥٢٦٢) ، (٥٢٦٣).